القاعدة الخامسة : تقديم الأهم على المهم :
إن البدء بالأهم فالأهم من القواعد التي تحكم القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وذلك بأن يبدأ الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بإصلاح أصول العقيدة ، فيأمر بالتوحيد وإخلاص العبادة لله وحده ، وينهى عن الشرك والبدع والشعوذة، ثم يأمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، ثم بقية الفرائض وترك المحرمات ، ثم أداء السنن وترك المكروهات .
والبدء بالدعوة إلى التوحيد وإخلاص العبادة لله عز وجل هو منهج الرسل جميعا ، كما قال تعالى : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } (1) .
وقال سبحانه : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } (2) .
وقال عز وجل : { وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ } (3) .
وقد تكررت مقولة الأنبياء عليهم السلام { يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } (4) .
_________
(1) سورة النحل ، الآية 36 .
(2) سورة الأنبياء ، الآية 25 .
(3) سورة الزخرف ، الآية 45 .
(4) سورة الأعراف ، الآيات 59 ، 65 ، 73 ، 85 ، وسورة هود ، الآيات 50 ، 61 ، 84.
وقد سار خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - على نهج إخوانه المرسلين - عليهم السلام - فقد بدأ بما بدأ به أنبياء الله ، وانطلق من حيث انطلقوا، إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له وحده ، قال تعالى : { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }{ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } (1) .
واستمر - صلى الله عليه وسلم- ثلاث عشرة سنة في مكة ، وهو يدعو الناس إلى التوحيد، وينهاهم عن الشرك ، قبل أن يأمرهم بالصلاة والزكاة والصوم والحج ، وقبل أن ينهاهم عن الربا والزنا والسرقة وقتل النفوس بغير حق .
اللهم ما كان يأمر به قومه من معالي الأخلاق ، كصلة الرحم، والصدق ، والعفاف ، وأداء الأمانة ، وحسن الجوار ونحو ذلك ، ولكن الأمر الأساسي، والمحور الأهم ، إنما هو الدعوة إلى التوحيد ، والتحذير من الشرك. (2)
_________
(1) سورة الأنعام ، الآيتان 161 - 162 .
(2) انظر مقدمة فضيلة الدكتور / صالح الفوزان ، على كتاب منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله فيه الحكمة والعقل للدكتور / ربيع المدخلي ص 5 . بتصرف .
ولما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذا إلى اليمن قال له : « إنك تأتي قوما أهل الكتاب ، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك ، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تُؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم » (1)
قال الإمام ابن حجر -رحمه الله- : ( وأما قول الخطابي إن ذكر الصدقة أُخر عن ذكر الصلاة لأنها إنما تجب على قوم دون قوم . وأنها لا تكرر الصلاة فهو حسن ، وتمامه أن يقال بدأ بالأهم فالأهم ، وذلك من التلطف في الخطاب ، لأنه لو طالبهم بالجميع في أول مرة لم يأمن النفرة) (2) .
_________
(1) صحيح البخاري مع الفتح ، 3 / 357 ، كتاب الزكاة ، باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا رقم 1496 ، ومسلم 1 / 50 ، كتاب الإيمان ، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، رقم 19 ، عن ابن عباس رضي الله عنهما .
(2) فتح الباري ، لابن حجر ، 3 / 359 .
لذا فإن المطلوب من الداعين إلى الله تعالى الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، أن يوجهوا جهودهم ويولوا اهتمامهم بمنهج الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام -في الدعوة إلى الله تعالى ، فيدعوا الناس إلى التوحيد أولًا وقبل أي شيء وليكن شغلهم الشاغل هو تصحيح العقيدة ، وتصفيتها من شوائب الشرك والبدع والمعاصي، ولا يعني من هذا الكلام إهمال الجوانب الأخرى بحال من الأحوال ، ولكن ما أريد تقريره هو أن الاهتمام بأمور العقيدة يجب أن ينال الأولوية في الدعوة إلى الله عز وجل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ثم الأهم فالأهم .