الخـــبــــــث العاطفـــــــي

الخبث العاطفي

وقف المدرب في إحدى الدورات التدريبية للمعلمين والمعلمات ليقول لهم : إن أهم شيء في التعليم هو الذكاء العاطفي والتقارب الجسدي بين المعلم والمتعلم، وبين المتعلم وزميله والمتعلمة وزميلها.



والمشهور عن الذكاء العاطفي أنه "القدرة على إدراك العواطف وتقييمها وفهمها والتحكم فيها والتعبير عنها بدقة للوصول إلى الأهداف المرجوة" وأنه من الممكن اكتساب الذكاء العاطفي وتنميته باستمرار عبر جسور متينة من الفهم والتعلم والقلب المنفتح والعقل المتبصر والتدرب والممارسة والتجريب وتكرار المحاولة، وقد بينت دراسات تم إعدادها في الولايات المتحدة أن خمس الناجحين في حياتهم (فقط) هم أولئك الأذكياء الذين نالوا علامات عالية في مقياس الذكاء العقلي والتحصيل الدراسي، وأن الشعار الرائج الآن هو أنك بالذكاء العقلي يمكنك الحصول على وظيفة، أما الذكاء العاطفي فيجعلك ترتقي نحو الأفضل في الوظيفة.



وقالت الدراسة: إن المدير نادرا ما يطرد مستخدما من عمله بسبب فشله في الإنتاج وتحقيق النتائج.
وبينت الدراسة أن المؤسسات ترتكب أكبر الأخطاء عندما تبحث عن الذكاء العقلي ومعدل النجاح في الجامعة ومستوى الشهادات العلمية وتتجاهل في الوقت ذاته الذكاء العاطفي، وبما أننا أصبحنا نعرف بمنتهى الثقة أن المستقبل هو لأولئك الذين يمتلكون الذكاء العاطفي فقد آن الأوان لكي نبدأ بتطوير قدراتنا الكامنة في هذا المجال.

ولعلكم سمعتم عن شباب الإيمو (أو الإيموز) وتبين أن هؤلاء الشباب تجمعهم فكرة الذكاء العاطفي، وباللقاء تبين أنهم أقرب إلى جماعة عبدة الشيطان في طقوسهم وأفكارهم وأشكالهم ، وهم أقرب إلى المخنثين منهم إلى الأسوياء، وبعضهم يقطع جلد ذراعيه تخلصا من القلق، ويصادق الرجل الرجل، والمرأة المرأة في علاقة حميمية هي الشذوذ بعينه.

إذا ربطت بين كلام هذا المدرب التربوي الداعي إلى الذكاء العاطفي وبين تلك الجماعات الأوروبية التي تتخذ من الحرمان العاطفي وسيلة للإشباع العاطفي الشاذ، ويتبين لك أن المؤامرة الآن تدور حول المتفوقين عقليا ودراسيا وأصحاب المعدلات العالية في الدراسة للتقليل من شأنهم وطردهم من العمل لانخفاض الذكاء العاطفي لديهم وأن المديرين يحبون العاطفيين والحبوبين ويقدمونهم على المنتجين والمتفوقين وقد يطردون المتفوقين علمياً وأدائياً من العمل ونادرا ما يطردون العاطفيين!

المسألة هنا معناها تقديم المتسلقين أصحاب العبارات العاطفية وتأخير الفائقين والمتميزين علميا، ويتم حاليا الترويج لهذه الأفكار في ديارنا العربية والإسلامية , وهي أفكار تلتقي مع البرمجة العصبية , وأنه لا مكان للجادين العلميين، فأحد المدربين للبرمجة العصبية يفتخر بأنه كان فاشلا فشلا ذريعا، وأمه كانت تقول له يا فاشل، وعندما تدرب على البرمجة العصبية أصبح مشهورا ومدربا عالميا!

إنها المؤامرة التربوية على المهتمين بالتحصيل الدراسي والتفوق العلمي، ويلتقي مع هذه الأفكار الشاذة روافد بيع الشهادات في الجامعات الخاصة والمعاهد الخاصة والشهادات الورقية التي تفتح الباب إلى الوظيفة , ثم يتولى الذكاء العاطفي باقي المهمة، حيث الهدايا والرشا والتزلف والتقرب من الرؤساء الذين تخرجوا من نفس المسار الورقي، وبمعنى أوضح انه لا مكان عندنا للجادين والمتفوقين، والمكان متسع للعاطفيين والحبوبين والمتسلقين، فعلينا الانتباه إلى تلك الدعوات الباطلة.

نحن لا ننكر أهمية العاطفة في تحسين العلاقات، وأهمية العلاقات الطيبة في نجاح الأعمال , والقول بالتي هي أحسن كما قال تعالى " وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" الإسراء (53)، ولا ننكر أهمية العمل بروح الأخوّة والجماعة، ولكن أن يطرد المنتج من العمل ولا يطرد العاطفي المتسلق غير المنتج فهذا هو التخريب بعينه، وهذه بوابة الفساد.

علينا الاتزان في الأعمال والمشاعر والعواطف والجد والاجتهاد، فليس بالعاطفة وحدها تتقدم الأمم، وليس بالعمل فقط تتقدم الأمم، ولكن الأمم تتقدم بالاتزان العاطفي والتفوق العقلي والتقدم العلمي والخلقي، فالنجاح الحقيقي في الحياة أن يتقن الإنسان عمله، ويرتقي في علمه، ويدرب عواطفه على المودة والرحمة

فعلينا الانتباه لتلك الشعارات التي ترفع كلمات الحق وتريد بها الباطل، وتروج بين الأجيال تلك الأفكار الدار ونية والفرويدية الشاذة التي بليت علميا فأرادوا إلباسها ثوب العصرية وإحياءها في الذكاء العاطفي والبرمجة العصبية والتركيز عليها وإهمال العلوم الأساسية من الكيمياء والفيزياء والأحياء والفلك والرياضيات والجيولوجيا التي هي العلوم التي تؤصل للتقدم العلمي الحقيقي، أما الدعاوى الجديدة فتؤصل لعلوم تؤدي إلى انتشار الضياع والتخريب التربوي في ديارنا العربية والإسلامية في غياب تلك العلوم الأساسية.
علينا أن نقيس الآن علاقاتنا برؤسائنا ومدى تقييمهم لنا ولنفهم ذلك حتى نقيمهم لمدى فعاليتهم للمجتمع.

[b]