عمير بن سعد بن عبيد بن النعمان بن قيس
صحب رسول الله. صلى الله عليه وسلم وولاه عمر رضي الله عنه حمص فاما أبوه سعد فشهد بدرا ويقال له سعد القاريء وهو الذي يروي الكوفيون أنه أبو زيد الذي جمع القرآن على عهد رسول الله. صلى الله عليه وسلم وقتل سعد بالقادسية شهيدا.
عن أبي طلحة الخولاني قال اتينا عمير بن سعد في داره بفلسطين وكان يقال له نسيج وحده.
وعن عبد الله بن هارون بن عنترة قال حدثني أبي عن جدي عن عمير بن سعد الأنصاري قال بعثه عمر بن الخطاب عاملا على حمص فمكث حولا لا يأتيه خبره فقال عمر لكاتبه اكتب إلى عمير فوالله ما اراه إلا قد خاننا إذا جاءك كتابي هذا فاقبل واقبل بما جبيت من فيء المسلمين حين تنظر في كتابي هذا.
قال فأخذ عمير جرابه فوضع فيه زاده وقصعته وعلق ادواته وأخذ عنزته ثم أقبل يمشي من حمص حتى قدم المدينة قال فقدم وقد شحب لونه واغبر وجهه وطالت شعرته فدخل على عمر فقال السلام عليك يا امير المؤمنين ورحمة الله قال عمر ما شأنك قال ما ترى من شاني الست تراني صحيح البدن ظاهر الدم معي الدنيا اجرها بقرونها قال عمروما معك وظن عمر أنه جاءه بمال قال معي جرابي اجعل فيه زادي وقصعتي اكل فيها ورأسي وثيابي وادواتي احمل فيها وضوئي وشرابي وعنزتي اتوكأ عليها واجاهد بها عدوا ان عرض لي فوالله ما الدنيا إلا تبع لمتاعي قال عمر فجئت تمشي قال نعم قال أما كان لك أحد يتبرع لك بدابة تركبها قال ما فعلوا وما سألتهم ذلك فقال عمر بئس المسلمون خرجت من عندهم فقال عمير اتق الله يا عمر قد نهاك الله عن الغيبة وقد رأيتهم يصلون صلاة الغداة قال عمر فأين بعثتك واي شيء صنعت قال وما سؤالك يا امير المؤمنين قال عمر سبحان الله فقال عمير أما اني لولا اخشى ان اغمك ما أخبرتك بعثتني حتى أتيت البلد فجمعت صلحاء أهلها فوليتهم جباية فيهم حتى إذا جمعوه وضعته مواضعه ولو نالك منه شيء لاتيتك به قال فما جئتنا بشيء قال لا قال جددوا لعمير عهدا قال ان ذلك شيء لا اعمله لك ولا لأحد بعدك والله ما سلمت بل لم أسلم لقد قلت لنصراني اخزاك الله فهذا ما عرضتني له يا عمر وان اشقى ايامي يوم خلفت معك.
ثم استأذنه فاذن له فرجع إلى منزله وبينه وبين المدينة اميال فقال عمر حين انصرف عمير ما اراه إلا قد خاننا فبعث رجلا يقال له الحارث واعطاه مائة دينار وقال انطلق إلى عمير حتى تنزل به كأنك ضيف فان رأيت اثر شيء فاقبل وان رأيت حالا شديدا فادفع إليه هذه المائة الدينار فانطلق الحارث فإذا هو بعمير جالس يفلي قميصه إلى جنب الحائط فقال له عمير أنزل رحمك الله فنزل ثم ساءله فقال من اين جئت فقال من المدينة فقال كيف تركت امير المؤمنين فقال صالحا قال فكيف تركت المسلمين قال صالحين قال اليس يقيم الحدود قال بلى ضرب ابنا له على فاحشة فمات من ضربه فقال عمير اللهم اعن عمر فاني لا اعلمه إلا شديدا حبه لك.
قال فنزل به ثلاثة أيام وليس لهم إلا قرصة من شعير كانوا يخصونه بها ويطوون حتى أتاهم الجهد فقال له عمير انك قد اجعتنا فان رأيت ان تتحول عنا فافعل.
قال فاخرج الدنانير فدفعها إليه فقال بعث بها امير المؤمنين فاستعن بها قال فصاح وقال لا حاجة لي فيها فردها فقالت له امراته ان احتجت إليها والا فضعها في مواضعها فقال عمير والله ما لي شيء اجعلها فيه فشقت المرأة اسفل درعها فاعطته خرقة فجعلها فيها ثم خرج فقسمها بين أبناء الشهداء والفقراء ثم رجع والرسول يظن أنه يعطيه منها شيئا فقال له عمير اقريء مني امير المؤمنين السلام.
فرجع الحارث إلى عمر فقال ما رأيت قال رأيت يا امير المؤمنين حالا شديدا قال فما صنع بالدناينر قال لا ادري قال فكتب إليه عمر إذا جاءك كتابي هذا فلا تضعه من يدك حتى تقبل فاقبل إلى عمر فدخل عليه فقال له عمر ما صنعت بالدنانير قال صنعت وما سؤالك عنها قال انشد عليك لتخبرني ما صنعت بها قال قدمتها لنفسي قال رحمك الله فأمر له بوسق من طعام وثوبين فقال أما الطعام فلا حاجة لي فيه قد تركت في المنزل صاعين من شعير إلى ان اكل ذلك قد جاء الله بالرزق ولم يأخذ الطعام واما الثوبان فان أم فلان عارية فأخذهما ورجع إلى منزله.
فلم يلبث ان هلك رحمه الله فبلغ ذلك عمر فشق عليه وترحم عليه وخرج يمشي ومعه المشاؤون إلى بقيع الغرقد فقال لاصحابه ليتمن كل رجل منكم امنية فقال رجل يا امير المؤمنين وددت ان عندي مالا فاعتق لوجه الله كذا وكذا وقال آخر وددت ان عندي مالا فانفق في سبيل الله وقال آخر وددت ان لي قوة فاميح بدلو زمزم لحجاج بيت الله فقال عمر بن الخطاب وددت ان لي رجلا مثل عمير بن سعد استعين به في اعمال المسلمين رحمه الله ورضي الله عنه.