في نصيحة تسربلت بثوب الحكمة قرأت للإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه توجيها أخلاقيا وفكريا لا نظير له ألقاه على
مسامع ابنه الحسن بن علي دون أن يخصه به وحده من دون المسلمين أو حتى العالمين .
يقول الإمام علي في خاتمة نصيحة ليست بالقصيرة: (إِيَّاكَ وَمُصَادَقَةَ الْفَاجِرِ، فَإِنَّهُ يَبِيعُكَ بِالتَّافِه. وَإِيَّاكَ وَمُصَادَقَةَ الْكَذَّابِ، فَإِنَّهُ كَالسَّرَاب: يُقَرِّبُ عَلَيْكَ الْبَعِيدَ، وَيُبَعِّدُ عَلَيْكَ الْقَرِيبَ).
هذه النصيحة التي ترقى إلى مرتبة الحكمة لم تكن محصورة في حدود علاقة الأبوة والبنوة فقط. لقد كانت أسلوباً تربوياً كاملاً ومنهجاً فكرياً متكاملاً..
والأهم أنها كانت ولا تزال نهجا سياسيا وإداريا يمكن عند الاعتماد عليه، تجنب عبث العابثين من ذوي الضمائر المعدومة والمصالح الذاتية الضيقة
لقد وضع الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يديه على الجرح. فلا استقرار ولا ازدهار ولا رخاء ولا قضاء على الفساد إلا بإبعاد الفجرة الذين
يبيعون ولاءهم بالتافه. ونفس الشيء ينطبق على الكذابين الذين يشبهون السراب فيقربون البعيد ويضخمون الحسنات ويرتفعون بسقف طموحاتك إلى
ما هو أكبر بكثير من مستوى إمكاناتك. في حين أنهم يبعّدون القريب القابل للتحقيق بسهولة.. وهل هناك ما هو قابل للتحقيق أكثر من العمل على مصلحة
الرعية وإنصافها وإرضائها بما لا يتعارض مع مرضاة الله ؟
نصيحة الإمام علي لم تكن لابنه الحسن وحده، ولكن لكل تقي يتولى مسؤولية الآخرين.