في أسماء المحبة
لما كان الفهم لهذا المسمى أشد وهو بقلوبهم أعلق كانت أسماؤه لديهم أكثر وهذا عادتهم في كل ما اشتد الفهم له أو كثر خطوره على قلوبهم تعظيما له أو اهتماما به أو محبة له فالأول كالأسد والسيف والثاني كالداهية والثالث كالخمر وقد اجتمعت هذه المعاني الثلاثة في الحب فوضعوا له قريبا من ستين اسما وهي المحبة والعلاقة والهوى والصبوة والصبابة والشغف والمقة والوجد والكلف والتتيم والعشق والجوى والدنف والشجو والشوق والخلابة والبلابل والتباريح والسدم والغمرات والوهل والشجن واللاعج والاكتئاب والوصب والحزن والكمد واللذع والحرق والسهد والأرق واللهف والحنين والاستكانة والتبالة واللوعة والفتون والجنون واللمم والخبل والرسيس والداء المخامر والود والخلة والخلم والغرام والهيام والتدليه والوله والتعبد وأما كلام الناس في حدها فكثير فقيل هي الميل الدائم بالقلب الهائم وقيل إيثار المحبوب على جميع المصحوب وقيل موافقة الحبيبفي المشهد والمغيب وقيل اتحاد مراد المحب ومراد المحبوب وقيل إيثار مراد المحبوب على مراد المحب وقيل إقامة الخدمة مع القيام بالحرمة وقيل استقلال الكثير منك لمحبوبك واستكثار القليل منه إليك وقيل استيلاء ذكر المحبوب على قلب المحب وقيل حقيقتها أن تهب كلك لمن أحببته فلا يبقى لك منك شيء وقيل هي أن تمحو من قلبك ما سوى المحبوب وقيل هي الغيرة للمحبوب أن تنتقص حرمته والغيرة على القلب أن يكون فيه سواه وقيل هي وانهم التي لا تنقص بالجفاء ولا تزيد بالبر وقيل هي حفظ الحدود فليس بصادق من ادعى محبة من لم يحفظ حدوده وقيل هي قيامك لمحبوبك بكل ما يحبه منك وقيل هي مجانبة السلو على كل حال كما قيل ومن كان من طول الهوى ذاق سلوة * فإني من ليلي لها غير ذائق
وأكثر شيء نلته من وصالها * أماني لم تصدق كلمعة بارق
وقيل نار تحرق من القلب ما سوى مراد المحبوب وقيل ذكر المحبوب على عدد الأنفاس كما قيل يراد من القلب نسيانكم * وتأبى الطباع على الناقل وقيل عمى القلب عن رؤية غير المحبوب وصممه عن سماع العذل فيه وفي الحديث حبك للشيء يعمي ويصم رواه الإمام أحمد وقيل ميلك إلى المحبوب بكليتك ثم إيثارك له على نفسك وروحكومالك ثم موافقتك له سرا وجهرا ثم علمك بتقصيرك في حبه وقيل هي بذلك المجهود فيما يرضى الحبيب وقيل هي سكون بلا اضطراب واضطراب بلا سكون فيضطرب القلب فلا يسكن إلا إلى محبوبه فيضطرب شوقا إليه ويسكن عنده وهذا معنى قول بعضهم هي حركة القلب على الدوام إلى المحبوب وسكونه عنده وقيل هي مصاحبة المحبوب على الدوام كما قيل ومن عجب أني أحن إليهم * وأسأل عنهم من لقيت وهم معي
وتطلبهم عيني وهم في سوادها * ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي
وقيل هي أن يكون المحبوب أقرب إلى المحب من روحه كما قيل يا مقيما في خاطري وجناني * وبعيدا عن ناظري وعياني
روحي إن كنت لست أراها * فهي أدنى إلي من كل داني
وقيل هي حضور المحبوب عند المحب دائما كما قيل * خيالك في عيني وذكرك في فمي ومثواك في قلبي فأين تغيب *
وقيل هي أن يستوي قرب دار المحبوب وبعدها عند المحب كما قيل يا ثاويا بين الجوانح والحشى * مني وإن دياره
عطفا على صب يحبك هائم * إن لم تصله تصدعت أعشاره
لا يستفيق من الغرام وكلما * حجبوك عنه تهتكت أستاره
وقيل هي ثبات القلب على أحكام الغرام واستلذاذ العذل فيه والملام كما قيل وقف الهوى بي فليس لي * متأخر عنه ولا متقدم
وأهنتني فأهنت نفسي جاهدا * ما من يهون عليك ممن يكرم
أشبهت أعدائي فصرت أحبهم * إذ كان حظي منك حظي منهم
أجد الملامة في هواك لذيذة * حبا لذكرك فليلمني اللوم
وأما العلاقة وتسمى العلق بوزن الفلق فهي من أسمائها قال الجوهري والعلق أيضا الهوى يقال نظرة من ذي علق قال الشاعر ولقد أردت الصبر عنك فعلقني * علق بقلبي من هواك قديم
وقد علقها بالكسر وعلق حبها بقلبه أي هويها وعلق بها علوقا وسميت علاقة لتعلق القلب بالمحبوب قال الشاعر أعلاقة أم الوليد بعدما * أفنان رأسك كالثغام المخلس
وأما الهوى فهو ميل النفس إلى الشيء وفعله هوي يهوى هوى مثل عمي يعمى عمى وأما هوى يهوي بالفتح فهو السقوط ومصدره الهويبالضم ويقال الهوى أيضا على نفس المحبوب قال الشاعر إن التي زعمت فؤادك ملها * خلقت هواك كما خلقت هوى لها
ويقال هذا هوى فلان وفلانة هواه أي مهويته ومحبوبته وأكثر ما يستعمل في الحب المذموم كما قال الله تعالى :(( وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى )) ويقال إنما سمى هوى لأنه يهوي بصاحبه وقد يستعمل في الحب الممدوح استعمالا مقيدا ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم:<< لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به>> وفي الصحيحين عن عروة قال كانت خولة بنت حكيم من اللائي وهبن أنفسهم للنبي صلى الله عليه وسلم فقالت عائشة رضي الله عنها أما تستحي المرأة أن تهب نفسها للرجل فلما نزلت ترجي من تشاء منهن قلت يا رسول الله ما أرى ربك إلا يسارع في هواك وفي قصة أسارى بدر قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه فهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر رضي الله عنه ولم يهو ما قلت وذكر الحديث وفي السنن أن أعرابيا قال للنبي صلى الله عليه وسلم جئت أسألك عن الهوى فقال المرء مع من أحبوأما الصبوة والصبا فمن أسمائها أيضا قال في الصحاح والصبا من الشوق يقال منه تصابا وصبا يصبو صبوة وصبوا أي مال إلى الجهل وأصبته الجارية وصبي صباء مثل سمع سماعا أي لعب مع الصبيان قلت أصل الكلمة من الميل يقال صبا إلى كذا أي مال إليه وسميت الصبوة بذلك لميل صاحبها إلى المرأة الصبية والجمع صبايا مثل مطية ومطايا والتصابي هو تعاطي الصبوة مثل التمايل وبابه والفرق بين الصبا والصبوة والتصابي أن التصابي هي تعاطي الصبا وأن تفعل فعل ذي الصبوة وأما الصبا فهو نفس الميل وأما الصبوة فالمرة من ذلك مثل الغشوة والكبوة وقد يقال على الصفة اللازمة مثل القسوة وقد قال يوسف الصديق عليه السلام (( وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين )) وأما الصبابة فقال في الصحاح هي رقة الشوق وحرارته يقال رجل صب عاشق مشتاق وقد صببت يا رجل بالكسر قال الشاعر ولست تصب إلىالظاعنين * إذا ما صديقك لم يصبب
والصبابة من المضاعف من صب يصب والصبا والصبوة من المعتل وهم كثيرا ما يعاقبون بينهما فبينهما تناسب لفظي ومعنوي قال الشاعر
تشكى المحبون الصبابة ليتني * تحملت ما يلقون من بينهم وحدي
ويقال رجل صب وامرأة صب كما يقال رجل عدل وامرأة عدل وأما الشغف فمن أسمائها أيضا قال الله تعالى (( قد شغفها حبا )) قال الجوهري وغيره والشغاف غلاف القلب وهو جلدة دونه كالحجاب يقال شغفه الحب شغافه وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما قد شغفها حبا ثم قال دخل حبه تحت الشغاف وأما الشعف بالعين المهملة ففي الصحاح شعفه الحب أي أحرق قلبه وقال أبو زيد أمرضه وقد شعف بكذا فهو مشعوف وقرأ الحسن قد شعفها حبا قال بطنها حبا وأما المقة فهي فعلة من ومق يمق والمقة المحبة والهاء عوض من الواو كالعظة والعدة والزنة فإن أصلها فعل فحذفوا الفاء فعوضوا منها تاء التأنيث جبرا للكلمة وتعويضا لما سقط منها والفعل ومقه يمقه بالكسر فيهما أي أحبه فهو وامق وأما الوجد فهو الحب الذي يتبعه الحزن وأكثر ما يستعمل الوجد في الحزن يقال منه وجد وجدا بالفتح ونحن نذكر هذه المادة وتصاريفها يقال وجد مطلوبه يجده وجودا فإن تعلق ذلك بالضالة سموه وجداناووجد عليه في الغضب موجدة ووجد في الحزن وجدا بالفتح ووجد في المال أي صار واجدا وجدا ووجدا ووجدا بالفتح والضم والكسر وجدة إذا استغنى وأما إطلاق اسم الوجد على مجرد مطلق المحبة وإنما يطلق على محبة معها فقد يوجب الحزن وأما الكلف فهو من أسماء الحب أيضا يقال كلفت بهذا الأمر أي أولعت به فأنا كلف به قال الشاعر فتعلمي أن قد كلفت بكم * ثم اصنعي ما شئت عن علم
وأصل اللفظة من الكلفة والمشقة يقال كلفه تكليفا إذا أمره بما يشق قال الله تعالى )) لا يكلف الله نفسا إلا وسعها )) ومنه تكلفت الأمر تجشمته والكلفة ما يتكلف من نائبة أو حق والمتكلف المتعرض لما لا يعنيه قال الله تعالى :(( قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين )) وقيل هو مأخوذ من الأثر وهو شيء يعلو الوجه كالسمسم والكلف أيضا لون بين السواد والحمرة وهي حمرة كدرة تعلو الوجه والاسم الكلفة وأما التتيم فهو التعبد قال في الصحاح تيم الله أي عبدالله وأصله من قولهم تيمه الحب إذا عبده وذلله فهو متيم ويقال تامته المرأة قال لقيط بن زرارة تامت فؤادك لو يحزنك ما صنعت * إحدى نساء بني ذهل بن شيبانا
وأما العشق فهو أمر هذه الأسماء وأخبثها وقل ما ولعت به العرب وكأنهم ستروا اسمه وكنوا عنه بهذه الأسماء فلم يكادوا يفصحوا به ولا تكاد تجده في شعرهم القديم وإنما أولع به المتأخرون ولم يقع هذا اللفظ في القرآن ولا في السنة إلا في حديث سويد بن سعيد وبعد فقد استعملوه في كلامهم قال الشاعروماذا عسى الواشون أن يتحدثوا * سوى أن يقولوا ومعناه لك عاشق
نعم صدق حبيبة * إلي وإن لم تصف منك الخلائق
قال في الصحاح العشق فرط الحب وقد عشقها عشقا مثل علم علما وعشقا أيضا عن الفراء قال رؤبة ولم يضعها بين فرك وعشق * قال ابن السراج إنما حركه ضرورة وإنما لم يحركه بالكسر إتباعا للعين كأنه كره الجمع بين كسرتين فإن هذا عزيز في الأسماء ورجل عشيق مثل فسيق أي كثير العشق والتعشق تكلف العشق قال الفراء يقولون امرأة محب لزوجها وعاشق وقال ابن سيده العشق عجب المحب بالمحبوب يكون في عفاف الحب ودعارته يعني في العفة والفجور وقيل العشق الاسم والعشق المصدر وقيل هو مأخوذ من شجرة يقال لها عاشقة تخضر ثم تدق وتصفر قال الزجاج واشتقاق العاشق من ذلك وقال الفراء عشق عشقا وعشقا إذا أفرط في الحب والعاشق الفاعل والمعشوق المفعول والعشيق يقال لهذا ولهذا وامرأة عاشق وعاشقة قال ولذ كطعم الصرخدي طرحته * عشية خمس القوم والعين عاشقه
وقال الفراء العشق نبت لزج وسمي العشق الذي يكون من الإنسان للصوقه بالقلب وقال ابن الأعرابي العشقة اللبلابة تخضر وتصفر وتعلق بالذي يليها من الأشجار فاشتق من ذلك وأما الجوى ففي الصحاح الجوى الحرقة وشدة الوجد من عشق أو حزن تقول منه جوي الرجل بالكسر فهو جو مثل دو ومنه قيل للماء المتغير المنتن جو قال الشاعر ثم كان المزاج ماء سحاب * لا جو آجن ولا مطروق
وأما الدنف فلا تكاد تستعمله العرب في الحب وإنما ولع به المتأخرون وإنما استعملته العرب في المرض قال في الصحاح الدنف بالتحريك المرض الملازم رجل دنف أيضا يعني بفتح النون وامرأة دنف وقوم دنف يستوي فيه المذكر والمؤنث والتثنية والجمع فإن قلت رجل دنف بكسر النون قلت امرأة دنفة أنثت وثنيت وجمعت وقد دنف المريض بالكسر ثقل وأدنف بالألف مثله وأدنفه المرض يتعدى ولا يتعدى فهو مدنف ومدنف قلت وكأنهم استعاروا هذا الاسم للحب اللازم تشبيها له به والله أعلم وأما الشجو فهو حب يتبعه هم وحزن قال في الصحاح الشجو الهم والحزن يقال شجاه يشجوه شجوا إذا أحزنه وأشجاه يشجيه إشجاءإذا أغصه تقول منها جميعا شجي بالكسر يشجى شجى قال الشاعر لا تنكروا القتل وقد سبينا * في حلقكم عظم وقد شجينا
أراد حلوقكم واشجى ما ينشب في الحلق من عظم أو غيره ورجل شج أي حزين وامرأة شجية على فعلة فأطلق هذا الاسم على الحب للزومه كالشجى الذي يعلق بالحلق وينشب فيه وأما الشوق فهو سفر القلب إلى المحبوب وقد وقع هذا الاسم في السنة ففي المسند من حديث عمار بن ياسر أنه صلى صلاة فأوجز فيها فقيل له أوجزت يا يشير اليقظان فقال لقد دعوت فيها بدعوات سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بهن اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني إذا كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضا وأسألك القصد في الفقر والغنى وأسألك نعيما لا ينفد وأسألك قرة عين لا تنقطع وأسألك الرضا بعد القضاء وأسألك برد العيش بعد الموت وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين وجاء في أثر إسرائيلي طال شوق الأبرار إلى لقائي وأنا إلى لقائهم أشوق وقد قال الله تعالى )) من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت)) قال بعض العارفينلما علم الله شوق المحبين إلى لقائه ضرب لهم موعدا للقاء تسكن به قلوبهم وبعد فهذه اللفظة من أسماء الحب قال في الصحاح الشوق والاشتياق نزاع النفس إلى الشيء يقال شاقني الشيء يشوقني فهو شائق وأنا مشوق وشوقني فتشوقت إذا هيج شوقك قال الراجز يا دار مية بالدكاديك البرق * سقيا لقد هيجت شوق المشتأق
يريد المشتاق قال سيبويه همز ما ليس بمهموز ضرورة واختلف في الفرق بين الشوق والاشتياق أيهما أقوى فقالت طائفة الشوق أقوى فإنه صفة لازمة والاشتياق فيه نوع افتعال كما يدل عليه بناؤه كالاكتساب ونحوه وقالت فرقة الاشتياق أقوى لكثرة حروفه وكلما قوي المعنى وزاد زادوا حروفه وحكمت فرقة ثالثة بين القولين وقالت الاشتياق يكون إلى غائب وأما الشوق فإنه يكون للحاضر والغائب والصواب أن يقال الشوق مصدر شاقه يشوقه إذا دعاه إلى الاشتياق إليه فالشوق داعية الاشتياق ومبداه والاشتياق موجبه وغايته فإنه يقال شاقني فاشتقت فالاشتياق فعل مطاوع لشاقني واختلف أرباب الشوق يزول الشوق بالوصال أو يزيد فقالت طائفة يزول فإن الشوق سفر القلب إلى المحبوب فإذا وصل إليه انتهى السفر وألقت عصاها واستقر بها النوى * كما قر عينا بالإياب المسافر
قالوا ولأن الشوق إنما يكون لغائب فلا معنى له مع الحضور ولهذا إنما يقال للغائب أنا إليك مشتاق وأما من لم يزل حاضرا مع المحب فلا يوصف بالشوق إليه وقالت طائفة بل يزيد بالقرب واللقاء واستدلوا بقول الشاعر وأعظم ما يكون الشوق يوما * إذا دنت الخيام من الخيام
قالوا ولأن الشوق هو حرقة المحبة والتهاب نارها في قلب المحب وذلك مما يزيده القرب والمواصلة والصواب أن الشوق الحادث عند اللقاء والمواصلة غير النوع الذي كان عند الغيبة عن المحب قال ابن الرومي أعانقها والنفس بعد مشوقة * إليها وهل بعد العناق تداني
وألثم فاها كي تزول صبابتي * فيشتد ما ألقى من الهيمان
ولم يك مقدار الذي بي من الجوى * ليشفيه ما ترشف الشفتان
كأن فؤادي ليس يشفي غليله * سوى أن يرى الروحين تمتزجان
وأما الخلابة فهي الحب الخادع وهو الحب الذي وصل إلى الخلب وهو الحجاب الذي بين القلب وسواد البطن وسمى الحب خلابة لأنه يخدع ألباب أربابه والخلابة الخديعة باللسان يقال خلبه يخلبه بالضم واختلبه مثله وفي المثل إذا لم تغلب فاخلب أي فاخدع والخلبة الخداعة من النساء قال الشاعر أودى الشباب وحب الخالة الخلبة * وقد برئت فما بالقلب من قلبه
قال ابن السكيت رجل خلاب أي خداع كذاب ومنه البرق الخلب الذي لا غيث فيه كأنه خادع ومنه قيل لمن يعد ولا ينجز برق خلب والخلب أيضا السحاب الذي لا مطر فيه ومنه الحديث إذا بايعت فقل لا خلابة أي لا خديعة والحب أحق ما يسمى بهذا الاسم لأنه يعمي ويصم ويخدع لب المحب وقلبه وأما البلابل فجمع بلبلة يقال بلابل الحب وبلابل الشوق وهي وساوسه وهمه قال في الصحاح البلبلة والبلبال الهم ووسواس الصدر وأما تباريح الحب وتباريح الشوق وتباريح الجوى وبرح به الحب والشوق إذا اصابه منه البرح وهو الشدة قال في الصحاح لقيت منه برحا بارحا أي شدة وأذى قال الشاعر أجد هذا عمرك الله كلما * دعاك الهوى برح لعينيك بارح
ولقيت منه بنات برح وبني برح ولقيت منه البرحين والبرحين بكسر الباء وضمها أي الشدائد والدواهي وأما السدم بالتحريك فهو الحب الذي يتبعه ندم وحزن قال في الصحاح السدم بالتحريك الندم والحزن وقد سدم بالكسر ورجل نادم سادم وندمان سدمان وهو إتباع وما له هم ولا سدم إلا ذاكوأما الغمرات فهي جمع غمرة والغمرة ما يغمر القلب من حب أو سكر أو غفلة قال الله تعالى :(( الخراصون الذين هم في غمرة ساهون)) أي في غفلة قد غمرت قلوبهم وقال تعالى (( فذرهم في غمرتهم حتى حين )) ومنه الماء الغمر الكثير الذي يغطي من دخل فيه ومنه غمرات الموت أي شدائده وكذلك غمرات الحب وهو ما يغطي قلب المحب فيغمره ومنه قولهم رجل غمر الرداء كناية عن السخاء لأنه يغمر العيوب أي يغطيها فلا يظهر مع السخاء عيب قال كثير غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا * غلقت لضحكته رقاب المال
وقال القطامي يصف سفينة نوح * إلى الجودي حتى صار حجرا
وكان لذلك الغمر انحسار *
أي لذلك الماء الذي غمر الأرض ومن عليها وأما الوهل فهو بتحريك الهاء وأصله الفزع والروع يقال وهل يوهل وهو وهل ومستوهل قال القطامي يصف إبلاوترى لجيضتهن عند رحيلنا * وهلا كأن بهن جنة أولق
وإنما كان الوهل من أسماء الحب لما فيه من الروع ومنه يقال جمال رائع فإن قيل ما سبب روعة الجمال ولأي شيء إذا رأى المحب محبوبه فجأة يرتاع لذلك ويصفر لونه ويبهت قال الشاعر وما هو إلا أن أراها فجاءة * فأبهت حتى لا أكاد أجيب
وكثير من الناس يرى محبوبه فيصفر ويرتعد قيل هذا مما خفي سببه على أكثر المحبين فلا يدرون ما سببه فقيل سببه أن الجمال سلطان على القلوب وإذا بدا راع القلوب بسلطانه كما يروعها الملك ونحوه ممن له سلطان على الأبدان فسلطان الجمال والمحبة على القلوب وسلطان الملوك على الأبدان فإذا كان السلطان الذي على الأبدان يروع إذا بدا فكيف بالسلطان الذي هو أعظم منه قالوا وأيضا فإن الجمال يأسر القلب فيحس القلب بأنه أسير ولا بد لتلك الصورة التي بدت له فيرتاع كما يرتاع الرجل إذا أحس بمن يأسره ولهذا إذا أمن الناظر من ذلك لم تحصل له هذه الروعة قال الشاعر علامة من كان الهوى بفؤاده * إذا ما رأى محبوبه يتغير
وأما الشجن فهو من أسمائه فإن الشجن الحاجة حيث كانت وحاجة المحب أشد شيء إلى محبوبه قال الراجزإني سأبدي لك فيما أبدي * لي شجنان شجن بنجد وشجن لي ببلاد السند *
والجمع شجون قال والنفس شتى شجونها ويجمع على أشجان قال الشاعر تحمل أصحابي ولم يجدوا وجدي * وللناس أشجان ولي شجن وحدي قد شجنتني الحاجة تشجنني شجنا إذا حبستك ووجه آخر أيضا وهو أن الشجن الحزن والجمع أشجان وقد شجن بالكسر فهو شاجن وأشجنه غيره وشجنه أي أحزنه والحب فيه الأمران هذا وهذا وأما اللاعج فهو اسم فاعل من قولهم لعجه الضرب إذا آلمه وأحرق جلده قال الهذلي ضربا أليما بسبت يلعج الجلدا * ويقال هو لاعج لحرقة الفؤاد من الحب وأما الاكتئاب فهو افتعال من الكآبة وهي سوء الحال والانكسار من الحزن وقد كئب الرجل يكأب كأبة وكآبة كرأفة ورآفة ونشأةونشاءة فهو كئيب وامرأة كئيبة وكأباء أيضا قال الراجز أو أن ترى كأباء لم تبر نشقي * واكتأب الرجل مثله ورماد مكتئب اللون إذا ضرب إلى السواد كما يكون وجه الكئيب والكآبة تتولد من حصول الحب وفوت المحبوب فتحدث بينهما حالة سيئة تسمى الكآبة فصل وأما الوصب فهو ألم الحب ومرضه فإن أصل الوصب المرض وقد وصب الرجل يوصب فهو وصب وأوصبه الله فهو موصب والموصب بالتشديد الكثير الأوجاع وفي الحديث الصحيح ((لا يصيب المؤمن من هم ولا وصب حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه)) ووصب الشيء يصب وصوبا إذا دام تقول وصب الرجل على الأمر إذا داوم عليه قال الله تعالى :(( ولهم عذاب واصب )) وقال تعالى (( وله الدين واصبا )) أي الطاعة دائمة وأما الحزن فقد عد من أسماء المحبة والصواب أنه ليس من أسمائها وإنما هو حالة تحدث للمحب وهي ورود المكروه عليه وهو خلاف المسرة ولما كان الحب لا ولو من ورود مالا يسر على قلب المحب كان الحزن من لوازمهوفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجال فاستعاذ صلى الله عليه وسلم من ثمانية أشياء كل شيئين منهما قرينان فالهم والحزن قرينان فإن ورود المكروه على القلب إ نكان لما مضى فهو الحزن وإن كان لما يستقبل فهو الهم والعجز والكسل قرينان فإن تخلف العبد عن كماله إن كان من عدم القدرة فهو العجز وإن كان من عدم وانهم فهو الكسل والجبن والبخل قرينان فإن الرجل يراد منه النفع بماله أو ببدنه فالجبان لا ينفع ببدنه والبخيل لا ينفع بماله وضلع الدين وغلبة الرجال قرينان فإن قهر الناس نوعان نوع بحق فهو ضلع الدين ونوع بباطل فهو غلبة الرجال وقد نفى الله سبحانه وتعالى عن أهل الجنة الخوف والحزن فلا يحزنون على ما مضى ولا يخافون مما يأتي ولا يطيب العيش إلا بذلك والحب يلزمه الخوف والحزن وأما الكمد فمن أحكام المحبة في الحقيقة وليس من أسمائها ولكن المتكلمون في هذا الباب لا يفرقون بين اسم الشيء ولازمه وحكمه والكمد الحزن المكتوم تقول منه كمد الرجل فهو كمد وكميد والكمدة تغير اللون وأكمد القصار الثوب إذا لم ينقه وأما اللذع فهو من أحكام المحبة أيضا وأصله من لذع النار يقال لذعته النار لذعا أحرقته ثم شبهوا لذع اللسان بلذع النار فقالوا لذعه بلسانه أي أحرقه بكلامه يقال أعوذ بالله من لواذعه وأما الحرق فهي أيضا من عوارض الحب وآثاره والحرقة تكون من الحب تارة ومنه قولهم مالك حرقة على هذا الأمر وتكون من الغيظ ومنه في الحديث تركتهم يتحرقون عليكم وأما السهد فهو أيضا من آثار المحبة ولوازمها فالسهاد الأرق وقد سهد الرجل بالكسر يسهد سهدا والسهد بضم السين والهاء القليل النوم قال أبو كبير الهذليفأتت به حوش الجنان مبطنا * سهدا إذا ما نام ليل الهوجل وسهدته أنا فهو مسهد *
وأما الأرق فهو أيضا من آثار المحبة ولوازمها فإنه السهر وقد أرقت بالكسر أي سهرت وكذلك ائترقت على افتعلت فأنا أرق وأرقني كذا تأريقا أي سهرني وأما اللهف فمن أحكامها وآثارها أيضا يقال لهف بالكسر يلهف لهفا أي حزن وتحسر وكذلك التلهف على الشيء وقولهم يا لهف فلان كلمة يتحسر بها على ما فات واللهفان المتحسر واللهيف المضطر وأما الحنين فقال في الصحاح الحنين الشوق وتوقان النفس تقول منه حن إليه يحن حنينا فهو حان والحنان الرحمة تقول منه حن عليه يحن حنانا ومنه قوله تعالى :(( وحنانا من لدنا )) وتحنن عيه ترحم والعرب تقول حنانك يا رب وحنانيك بمعنى واحد أي رحمتك قال امرؤ القيس ويمنحها بنو شمجى بن جرم * معيزهم حنانك ذا الحنان
وقال طرفة * يشير منذر أفنيت فاستبق بعضنا حنانيك بعض الشر أهون من بعض *
وفي الحقيقة الحنين من آثار الحب وموجباته وحنين الناقة صوتها في نزاعها إلى ولدها وحنة الرجل امرأته قال وليلة ذات دجى سريت * ولم تضرني حنة وبيت
قلت سميت حنة لأن الرجل يحن إليها أين كان وأما الاستكانة فهي أيضا من لوازم الحب وأحكامه لا من أسمائه المختصة به وأصلها الخضوع قال الله تعالى : (( فما استكانوا لربهم وما يتضرعون )) وقال تعالى (( فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا )) وأصلها استفعل من الكون وهذا الاشتقاق والتصريف يطابق اللفظ وأما المعنى فالمستكن ساكن خاشع ضد الطائش ولكن لا يوافق السكون تصريف اللفظة فإنه إن كان افتعل كان ينبغي أن يقال استكن لأنه ليس في كلامهم افتعال والحق أنه استفعل من الكون فنقلوا حركة الواو إلى الكاف قبلها فتحركت الواو أصلا وانفتح ما قبلها تقديرا فقلبت ألفا كاستقام والكون الحالة التي فيها إنابة وذل وخضوع وهذا يحمد إذا كان لله ويذم إذا كان لغيره ومنه الحديث أعوذ بك من الحور بعد الكور أي الرجوع عن الاستقامة بعد ما كنت عليها وأما التبالة فهي فعالة من تبله إذا أفناه قال الجوهري تبلهم الدهر وأتبلهم إذا أفناهم قال الأعشى أأن رأت رجلا أعشى أضر به * ريب الزمان ودهر متبل خبل
أي يذهب بالأهل والولد وتبله الحب أي أسقمه وأفسده قلت ومنه قول كعب بن زهير بن أبي سلمى بانت سعاد فقلبي اليوم متبول * متيم عندها لم يفد متبول
وأما اللوعة فقال في الصحاح لوعة الحب حرقته وقد لاعه الحب يلوعه والتاع فؤاده أي احترق من الشوق ومنه قولهم أتان لاعة الفؤاد إلى جحشها قال الأصمعي أي لائعة الفؤاد وهي التي كأنها ولهى من الفزع وأما الفتون فهو مصدر فتنه يفتنه فتونا قال الله تعالى (( وفتناك فتونا )) أي امتحناك واختبرناك والفتنة يقال على ثلاثة معان أحدها الامتحان والاختبار ومنه قوله تعالى (( إن هي إلا فتنتك )) أي امتحانك واختبارك والثاني الافتتان نفسه يقال هذه فتنة فلان أي افتتانه ومنه قوله تعالى ((واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة )) يقال أصابته الفتنة وفتنته الدنيا وفتنته المرأة وأفتنته قال الأعشى لئن فتنتني ولهى بالأمس أفتنت * سعيدا فأضحى قد قلى كل مسلم
وأنكر الأصمعي أفتنته والثالث المفتون به نفسه يسمى فتنة قال الله تعالى (( إنما أموالكم وأولادكم فتنة )) وأما قوله تعالى (( ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين )) أي لم تكن عاقبة شركهم إلا أن تبرأوا منه وأنكروه وأما قوله تعالى (( يوم هم على النار يفتنون ذوقوا فتنتكم )) فقيل المعنى يحرقون ومنه فتنت الذهب إذا أدخلته النار لتنظر ما جودته ودينار مفتون قال الخليل والفتن الإحراق قال الله تعالى (( يوم هم على النار يفتنون )) وورق فتين أي فضة محرقة وافتتن الرجل وفتن إذا اصابته فتنة أو عقله وفتنته المرأة إذا ولهته وقوله تعالى (( فإنكم وما تعبدون ما أنتم عليه بفاتنين إلا من هو صال الجحيم )) أي لا تفتنون على عبادته إلا من سبق في علم الله أنه يصلى الجحيم فذلك الذي يفتن بفتنتكم إياه وأما قوله تعالى (( فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون )) فقيل الباء زائدة وقيل المفتون مصدر كالمعقول والميسور والمحلوف والمعسور والصواب أن يبصر مضمن معنى يشعر ويعلم قال الله تعالى (( أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر)) فعدى فعل الرؤية بالباء وفي الحديث المؤمن أخو المؤمن يسعهما الماء والشجر ويتعاونان على الفتان يروى بفتح الفاء وهو واحد وبضمها وهو جمع فاتن كتاجر وتجار والمقصود أن الحب موضع الفتون فما فتن من فتن إلا بالمحبة فصل وأما الجنون فمن الحب ما يكون جنونا ومنه قوله قالت جننت بمن تهوى فقلت لها * ألعشق أعظم مما بالمجانين
العشق لا يستفيق الدهر صاحبه * وإنما يصرع المجنون في الحين
وأصل المادة من الستر في جميع تصاريفها ومنه أجنه الليل وجن عليه إذا ستره ومنه الجنين لاستتاره في بطن أمه ومنه الجنة لاستتارها بالأشجار ومنه المجن لاستتار الضارب به والمضروب ومنه علمني لاستتارهم عن العيون بخلاف الإنس فإنهم يؤنسون أي يرون ومنه الجنة بالضم وهي ما استترت به واتقيت ومنه قوله تعالى (( اتخذوا أيمانهم جنة )) وأجننت الميت واريته في القبر فهو جنين والحب المفرط يستر العقل فلا يعقل المحب ما ينفعه ويضره فهو شعبة من الجنون وأما اللمم فهو طرف من الجنون ورجل ملموم أي به لمم ويقال أيضا أصابت فلانا من علمني لمة وهو المس والشيء القليل قاله الجوهري قلت وأصل اللفظة من المقاربة ومنه قوله تعالى (( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم )) وهي الصغائر قال ابن عباس رضي الله عنهما ما رأيت أشبه باللمم مما قال أبو هريرة رضي الله عنه إن العين تزني وزناها النظر واليد تزني وزناها البطش والرجل تزني وزناها المشي والفم يزني وزناه القبل ومنه ألم بكذا أي قاربه ودنا منه وغلام ملم أي قارب البلوغ وفي الحديث إن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم أي يقرب من ذلك وبالجملة فلا يستبين كون اللمم من أسماء الحب وإن كان قد ذكره جماعة إلا أن يقال إن المحبوب قد ألم بقلب المحب أي نزل به ومنه ألمم بنا أي انزل بنا ومنه قوله متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا * تجد حطبا جزلا ونارا تأججا وأما الخبل فمن موجبات العشق وآثاره لا من أسمائه وإن ذكر من أسمائه فإن أصله الفساد وجمعه خبول والخبل بالتحريك علمني يقال به خبل أي شيء من أهل الأرض وقد خبله وخبله واختبله إذا أفسد عقله أو عضوه ورجل مخبل وهو نوع من الجنون والفساد وأما الرسيس فقد كثر في كلامهم رسيس الهوى والشوق ورسيس الحب فظن من أدخله في أماء الحب أنه منها وليس كذلك بل الرسيس الشيء الثابت فرسيس الحب ثباته ودوامه ويمكن أن يكون من رس الحمى ورسيسها وهو أول مسها فشبهوا رسيس الحب بحرارته وحرقته برسيس الحمى وكان الواجب على هؤلاء أن يجعلوا الأوار من أسماء الحب لأنه يضاف إليه قال الشاعر إذا وجدت أوار الحب في كبدي * أقبلت نحو سقاء القوم أبترد
هبني بردت ببرد الماء ظاهره * فمن لنار على الأحشاء تتقد
وقد وقع إضافة الرسيس إلى الهوى في شعر ذي الرمة حيث يقول إذا غير النأي المحبين لم يكد * رسيس الهوى من حب مية يبرح
وأما الداء المخامر فهو من أوصافه وس