عبد الله بن الزبير بن العوام
رضي الله عنه يكنى أبا بكر. أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق، رضي الله عنهما أول مولود ولو للمهاجرين بالمدينة بعد الهجرة. وأذن أبو بكر الصديق في أذنه، وحنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمرة.
عن هشام، عن أبيه عن أسماء أنها حملت بعبد الله بن الزبير بمكة. قالت: فخرجت وأنا متم فأتيت المدينة فنزلنا بقباء فولدته بقباء ثم أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعته في حجره، ثم دعا بتمرة فمضغها ثم تفل في فيه فكان أول ما دخل في جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: ثم حنكه بتمرة ثم دعا له وبرك عليه وكان أول مولود ولد في الإسلام.
قال الشيخ: إنما تعني أول مولود ولد بالمدينة بعد الهجرة.
وفي رواية أخرى: خرجت أسماء بنت أبي بكر مهاجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهي حبلى بعبد الله بن الزبير، فوضعته ولم ترضعه، حتى أتت به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن مجاهد بن جبير قال: ما كان باب من العبادة يعجز عنه الناس إلا تكلفه عبد الله بن الزبير، ولقد جاء سيل طبق البيت فجعل ابن الزبير يطوف سباحة.
وعن عمرو بن دينار قال: رأيت ابن الزبير يصلي في الحجر خافضا بصره فجاء حجر قدامه فذهب ببعض ثوبه فما انفتل.
وعن مجاهد قال: كان ابن الزبير، إذا قام في الصلاة، كأنه عود؛ من الخشوع.
وعن يحيى بن وثاب أن ابن الزبير كان يسجد حتى تنزل العصافير على ظهره ولا تحسبه إلا جذم حائط.
وعن عمرو بن دينار قال: ما رأيت مصليا قط أحسن صلاة من عبد الله بن الزبير.
وعل ابن المنكدر قال: لو رأيت ابن الزبير يصلي كأنه غصن شجرة تصفقها الريح والمنجنيق، يقع ها هنا وها هنا.
قال سفيان: كأنه لا يبالي.
وعن عمر بن قيس، عن أمه أنها قالت: دخلت على عبد الله ابن الزبير بيته فاذا هو يصلي. قالت: فسقطت حية من السقف على ابنه هاشم فتطوقت على بطنه وهو نائم فصاح أهل البيت: الحية. ولم يزالوا بها حتى قتلوها، وعبد الله بن الزبير يصلي، ما التفت ولا عجل. ثم فرغ بعد ما قتلت، فقال: ما بالكم? قالت أم هاشم: أي رحمك الله أرأيت إن كنا هنا عليك أيهون عليك ابنك? قال: فقال ويحك، ما كانت التفاتة، لو التفتها، مبقية من صلاتي.
وعن محمد بن حميد قال: كان عبد الله بن الزبير يحيي الدهر أجمع، ليلة قائما حتى يصبح، وليلة يحييها راكعا حتى الصباح، وليلة يحييها ساجدا حتى الصباح.
وعن مسلم بن يناق المكي قال: ركع ابن الزبير يوما ركعة، فقرأت البقرة وآل عمران والنساء والمائدة، وما رفع رأسه.
قال الزبير: وحدثني محمد بن الضحاك ابن زامي، وعبد الملك ابن عبد العزيز، ومن لا أحصي كثرة من أصحابنا أن عبد الله بن الزبير كان يواصل الصيام سبعا: يصوم الجمعة ولا يفطر إلا ليلة الجمعة الأخرى، ويصوم بالمدينة فلا يفطر إلا بمكة، ويصوم بمكة ولا يفطر إلا بالمدينة.
قال عبد الملك: وكان إذا أفطر كان أول ما يفطر عليه لبن لقحة بسمن بقر - وزادني غيره: وصبر.
وعن أم جعفر بنت النعمان، عن أسماء بنت أبي بكر قالت: كان ابن الزبير، قوام الليل صوام النهار، وكان يسمى حمام المسجد.
وعن )ابن( أبي مليكة قال: كان ابن الزبير يواصل سبعة أيام، ويصبح اليوم السابع وهو اليثا.
وعن محمد بن عبيد الله الثقفي قال: شهدت خطبة ابن الزبير بالموسم، خرج علينا قبل يوم التروية بيوم وهو محرم، فلبى بأحسن تلبية سمعتها قط، ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإنكم جئتم من آفاق شتى وفودا إلى الله عز وجل فحق على الله أن يكرم وفده، فمن كان جاء يطلب ما عند الله فإن طالب الله لا يخيب، فصدقوا قولكم بفعل فإن ملاك القول الفعل، والنية النية، القلوب القلوب القلوب، الله الله في أيامكم هذه فإنها أيام تغفر فيها الذنوب.
وعن وهب بن كيسان قال: كتب إلي عبد الله بن الزبير بموعظة:
أما بعد فإن لأهل التقوى علامات يعرفون بها ويعرفونها من أنفسهم، من صبر على البلاء، ورضى بالقضاء، وشكر النعماء، وذل لحكم القرآن وإنما الإمام كالسوق: ما نفق فيها حمل إليها، إن نفق الحق عنده حمل إليه وجاءه أهل الحق، وإن نفق عنده الباطل جاءه أهل الباطل.
وعن أبي الضحى قال: رأيت على رأس ابن الزبير من المسك ما لو كان لي كان رأس مال.
ذكر مقتل ابن الزبير رضي الله عنه:
عن عروة قال: لما كانت الغداة التي قتل فيها ابن الزبير دخل على أمه أسماء بنت أبي بكر وهي يومئذ ابنة مائة سنة لم يسقط لها سن. فقالت: يا عبد الله ما بلغت في حربك? قال: بلغوا مكان كذا وكذا، وضحك وقال: إن في الموت لراحة. فقالت أسماء: يا بني لعلك تتمناه لي، ما أحب أن أموت حتى أتي على أحد طرفيك إما أن تملك فتقر بذلك عيني، وإما أن تقتل فأحتسبك.
ثم ودعها، فقالت )له(: يا بني إياك أن تعطي خصلة من دينك مخافة القتل. وخرج عنها وأنشأ يقول:
ولست بمبتاع الـحـياة بـسـبة ولا مرتق من خشية الموت سلما وقال: والله ما لقيت زحفا قط إلا في الرعيل الأول وما ألمت جرحا قط إلا أن آلم الدواء.
ثم حمل عليهم فأصابته آجرة في مفرقه حتى فلقت رأسه، فوقف قائما وهو يقول:
ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن على أقدمنا تقطر الدمـا وعن عروة قال: أتيت عبد الله بن الزبير حين دنا الحجاج منه فقلت: قد لحق فلان بالحجاج ولحق فلان بالحجاج، فقال:
فرت سلامان وفرت النمر وقد نلاقي معهم فلا نفر )فقلت له: لقد أخذت دار فلان ودار فلان. فقال(
اصبر عصام إنـه شـر بـاق قدسك أصحابك ضرب الأعناق وقامت الحرب بنا على ساق )قال(: فعرفت أنه لا يسلم نفسه. قال: فغاظني، فقلت: إنهم والله إن يأخذوك يقطعوك إربا إربا. فقال:
ولست أبالي حين أقتل مسلـمـا على أي جنب كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإلـه وإن يشـأ يبارك على أوصال شلو ممزع قال: فعرفت أنه لا يمكن من نفسه.
وعن مجاهد قال: كنت مع ابن عمر، فمر على ابن الزبير فوقف عليه فقال: يرحمك الله فإنك كنت، ما علمت، صواما قواما وصولا للرحم، وإني لأرجو ألا يعذبك الله عز وجل.
وقال الواقدي، عن أشياخ له، قالوا: حصر ابن الزبير ليلة هلال ذي القعدة سنة ثنتين وسبعين وستة أشهر وسبع عشرة ليلة، ونصب الحجاج المنجنيق يرمي به أحث الرمي، وألح عليهم بالقتال من كل وجه وحبس عنهم الميرة، وحصرهم أشد الحصار. فقامت أسماء يوما فصلت ودعت فقالت: اللهم لا تخيب عبد الله ابن الزبير، اللهم ارحم ذلك السجود والنحيب والظمأ في تلك الهواجر.
وقتل يوم الثلاثاء لسبع عشرة خلت من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة