هناء: رمضان على الأبواب يا حبيبي، ولم تأتي إلينا بالياميش ومستلزمات الشهر.
سعيد: نعم، غدًا بإذن الله تعالى سأشتري جميع المستلزمات التي نحتاجها في البيت لهذا الشهر، فأنتِ تعرفين هناك أطعمة يجب أن نأكلها في الشهر كالحلويات والياميش وقمر الدين وغير ذلك، لا تقلقي يا حبيبتي فهذه الأشياء جميعها أتذكرها.
رمضان يغيرنا:
لاشك أن شهر رمضان كريم ينتظره جميع الناس بفارغ الصبر، ونجد أن الناس يستعدون لهذا الشهر بشتى الطرق، فمنهم من يعلق فانوس رمضان، ومن البيوت من تبدأ في شراء مستلزمات الشهر من حلويات وأطعمة، وغير ذلك من الأمور، ولكن أحيانًا قلما ما نسمع أن هناك بيتًا استعد لرمضان بكتابة أهم العبادات التي يجب على الزوجين أن يتقربا إلى الله من خلالها في شهر رمضان.
فشهر رمضان أيها الأزواج مليء بالعبادات التي يجب أن يحرص الزوجان على أدائها في هذا الشهر الكريم.
التعاون الزوجي على الطاعة:
قبل أن نفصل في بعض الطاعات التي يجب على الزوجين أن يحرصا على أدائها في شهر رمضان، يجب أن نؤكد على ضرورة التعاون بين طرفي الحياة الزوجية على طاعة الله تبارك وتعالى، فيكونان على قلب رجل واحد.
ولنسمع معًا إلى هذه القصة الرائعة، (فعن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني مجهود يعني قد بلغ به الجوع مبلغًا عظيمًا، فأرسل صلى الله عليه وسلم إلى بعض نسائه فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء، ثم أرسل إلى أخرى فقالت: مثل ذلك، وقلن كلهن مثل ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يضيف هذا الليلة يرحمه الله: فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله.
فانطلق به إلى رحله، فقال لامرأته: هل عندك شيء؟ قالت: لا، إلا قوت صبياني قال: فعلليهم بشيء ونوميهم، فإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج، وأريه أنا نأكل، فإذا أهوى ليأكل فقومي إلى السراج حتى تطفئيه، قال أبو هريرة: فقعدوا وأكل الضيف.
فلما أصبح غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد عجب الله من صنيعكما الليلة) [متفق عليه].
فهذا الموقف يدل على مدى تعاون الزوجين في إكرام الضيف، وهكذا تكون الحياة بين الزوجين في رمضان، أن يعينا بعضهما على طاعة الله تبارك وتعالى.
وهناك أمثلة كثيرة لكي يتعاون الزوجان على طاعة الله تبارك وتعالى في شهر رمضان، فمن ذلك:
1. التعاون على الصلاة:
وذلك من خلال أن يشجع كلا الزوجين الآخر على أداء الصلاة في شهر رمضان، فنجد أن بعضًا من الأزواج، عندما يحين وقت الإفطار، يكثرون من تناول الطعام مما يعجزهم عن أداء صلاة التراويح فيما بعد، فيصيبهم الكسل ولا يذهبون للمسجد لأداء الصلاة.
ولذا يجب على الزوجات أن يشجعن أزواجهن على عدم الإكثار من تناول الطعام على الإفطار، والاكتفاء بما يسد الحاجة، على أن يكملا معًا طعامعهما بعد أداء صلاة التراويح.
كما أن عدم الإكثار من الطعام أثناء وجبة الإفطار، يساعد على الخشوع في الصلاة بعد ذلك، فالناس وحالهم في الصلاة على خمسة مراتب، فإن أردت ميزانًا دقيقًا تعرف به مكانك من منازل الخاشعين، فاعرض نفسك على ميزان الإمام ابن القيم رحمه الله، الذي هو ترجمة صادقة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، إذ يقول رحمه الله: (والناس في الصلاة على مراتب خمس:
أحدها: مرتبة الظالم لنفسه المفرِّط، وهو الذي انتقص من وضوئها ومواقيتها وحدودها وأركانها.
الثاني: من يحافظ على مواقيتها وحدودها وأركانها الظاهرة ووضوئها، لكن قد ضيع مجاهدة نفسه في الوسوسة فذهب مع الوساوس والأفكار.
الثالث: من حافظ على حدودها وأركانها، وجاهد نفسه في دفع الوساوس والأفكار، فهو مشغول بمجاهدة عدوه لئلا يسرق صلاته، فهو في صلاة وجهاد.
الرابع: من إذا قام إلى الصلاة أكمل حقوقها وأركانها وحدودها، واستغرق قلبه مراعاة حدودها وحقوقها، لئلا يضيع شيئًا منها، بل همه كله مصروف إلى إقامتها كما ينبغي، وإكمالها وإتمامها قد استغرق قلب شأن الصلاة وعبودية ربه تبارك وتعالى فيها.
الخامس: من إذا قام إلى الصلاة قام إليها كذلك، ولكن مع هذا قد أخذ قلبه ووضعه بين يدي ربه عز وجل، ناظرًا بقلبه إليه مراقبًا له، ممتلئًا من محبته وعظمته كأنه يراه ويشاهده، وقد اضمحلت تلك الوساوس والخطوات، وارتفعت حجبها بينه وبين ربه، فهذا بينه وبين غيره في الصلاة أفضل وأعظم مما بين السماء والأرض، وهذا في صلاته مشغول بربه عز وجل قرير العين به) [الوابل الصيب، ابن القيم، ص(38)].
فما أجمل أن يتعاون الزوجان على قيام الليل، فيا لسعادتهما بطاعة ربهما معًا، (فهنيئًا لكل زوج وزوجة قاما في ليلة مليئة بالسكينة والطمأنينة، ليرفعا أكف الضراعة إلى الله، ويسيلا دموع الأسى والحرقة على ما فات فكتبهما الله تعالى من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات: يقول صلى الله عليه وسلم: (إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصليا أو صلى ركعتين جميعًا؛ كتبا في الذاكرين والذاكرات) [صححه الألباني في مشكاة المصابيح، (1238)]، فهذه هي المشاركة الإيمانية التي تطهر الروح، وتسمو بالنفس) [حتى يبقى الحب، د/ محمد محمد بدري، ص(638)].
2. التعاون على الصدقة:
ورمضان هو شهر الخيرات، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون في هذا الشهر الكريم، وصور التعاون بين الزوجين على الصدقة كثيرة:
ـ إعداد وجبات لإفطار الصائم، وهذه في غاية السهولة، فالزوجة كل يوم تطهي طعامًا، فتأخذ في حسبانها أن تطهي لشخص آخر، ثم يقوم الزوج بأخذ هذا الطعام وإعطائه لأحد الفقراء.
ـ المساهمة بالمال في إعداد شنطة رمضان، وهناك الكثير من المساجد والجمعيات الخيرية تعلن عن هذه الشنط.
ـ إخراج الملابس التي لا يلبسها الزوج أو الزوجة أو الأبناء، بشرط أن تكون صالحة، بمعنى أن تكون مقبولة، ونظيفة، حتى يحس الفقير عندما يرتدي تلك الملابس أنه بالسعادة والفرح.
وعندما ننظر أيها الأزواج في الزمن الأول وكيف كان الصحابة يتعاونوا مع أزواجهم على الصدقة، تصيبنا الدهشة والإعجاب، فها هو الصحابي الجليل أبو الدحداح رضي الله عنه (فعندما سمع أبو الدحداح الأنصاري رضي الله عنه قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} [البقرة: 245].
فيسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: آلله يستقرضنا؟ فيرد المربي العظيم صلى الله عليه وسلم: (نعم يا أبا الدحداح) فيقول رضي الله عنه: أرني يدك يا رسول الله فإني قد أقرضت ربي حائطي، وحائطه ذلك يومئذ من أجمل بساتين المدينة، وأحب ماله إلى قلبه، فيذهب إلى حائطه وينادي على زوجه أن اخرجي يا أم الدحداح، فقد أقرضت ربي حائطي، فتعمد الزوجة الصالحة رضي الله عنها إلى صبيانها، تخرج ما في أفواههم، وتنقض ما في أكمامها من ثمر البستان، تربيهم بدورها على نور (سمعنا وأطعنا) بفعلها قبل قولها، وهي ترد على زوجها: ربح البيع أبا الدحداح، ربح البيع أبا الدحداح، وهنا تأتي الجائزة النبوية لهذه الأسرة الكريمة، فيبشرهم رسول الهدى صلى الله عليه وسلم بقوله: (كم غذق رداح في الجنة لأبي الدحداح)) [تفسير الطبري، (5/285)].
3. صلة الرحم:
وهذا أمر في غاية الأهمية، فهذا الشهر فرصة عظيمة لكي يتواصل الزوجان مع أقاربهم، ويمكن أيضًا من خلاله تقوية العلاقة مع أهالي الزوجين، فتقوم الزوجة بالتواصل مع أم زوجها وتقوي علاقتها معها، وكذلك الزوج يتواصل مع حماته وحماه، فيكون هذا الشهر بمثابة فتحة خير على كلا الزوجين.
فإن مما يجب أن يعلمه الزوجان أن الحماة من العوامل التي تؤدي إلى السعادة الزوجية، فنجد أن بعض الزوجات تظن أن حماتها تريد أن تخرب عليها بيتها وأن تفرق بينها وبين زوجها، وهذه الظنون إذا واجهتها الزوجة ببعض من الذكاء الاجتماعي، وبعض الأمور الصغيرة ذات الأثر الكبير وتقوم بفعلها مع حماتها تكون الحماة سبب في سعادتها الزوجية.
قصة جميلة:
(تزوج أحد الأمراء بنت رجل فقير لجمالها ودينها، وكان الأمير إذا مرَّ بالناس في موكبه ورأى والد زوجته نزل عن جواده وأسرع إليه وعانقه وقبَّل رأسه، فقيل له: كيف تفعل هذا وأنت أمير؟
فقال الأمير سعيدًا مبتسمًا: فعلت هذا ليعظم قدر والد زوجتي في عين أبنائي؛ فيعظم قدر أمهم في قلوبهم) [55 حكاية وحكاية في السعادة الزوجية، محمد صديق المنشاوي، ص(28)].
إن كثيرًا من الأزواج والزوجات يغفلون عن ثمرة المعاملة الطيبة لأهل شريك الحياة، ويضعونها في بند المجاملات لا أكثر، مع أن المعاملة الطيبة لأهل الزوج أو الزوجة هي تربية للأطفال وتهيئة لهم قبل أن تكون مجرد وسيلة لإرضاء شريك الحياة، فما يراه الطفل من الانسجام بين كلٍّ من الأبوين وأهل الآخر يؤثر في الطفل بالدرجة الأولى في تقديره لأبويه وتعود البر والصلة.
منقول