تطوير التفكير الإبداعي لدى الأطفال الموهوبين
إن التفكير هو أساس التقدم على مر العصور، ولولا التفكير الإبداعي لما وصل العالم إلى هذا الكم من الاختراعات، والاكتشافات، والإنجازات العلمية والأدبية والفنية، وفي هذا العصر-عصر التكنولوجيا والمعرفة والتدفق المعلوماتي الهائل الذي يتطلب من جميع أفراد المجتمع عامة المشاركة الفعالة في المعرفة والتعلم والإنجاز، ، ليقدموا لأوطانهم إبداعات العقل الخلاقة.
فالكثير من الأعمال الاقتصادية المنتجة ما كانت إلا نتيجة لأفكار مبدعة، وهذا ما أشار له الأمريكي بيل كوستيلوا (Bill Costello,1999) عندما قدم نصيحة لبعض المؤسسات والشركات ملوحاً بعبارة "الإبداع عملة جديدة للأعمال التجارية الخلاقة".
إن الإبداع هو القدرة على تخيل وابتكار شي جديد ليس من العدم -لأن الله هو وحده القادر على الخلق من العدم- إنما بواسطة دمج الأفكار أو تغييرها أو ابتكار تطبيقات جديدة لأفكار موجودة وتحويلها إلى أفكار خلاّقة ومذهلة، والأفكار الجديدة دوماً تقود إلى استحداث انجازات جديدة تعود بالنفع على المجتمعات (Harri,1998 ).
الموهوبين وتطوير التفكير الإبداعي:
كثيراً ما يُظهر الموهوبين تحدياً كبيراً في اختبارات التفكير الإبداعي ، فقدرتهم على اجتياز هذا النوع من الاختبارات التي تتطلب مهارات تفكير عُليا، تثبت بأنهم مفكرون جيدون، لذا فإن مهمة مؤسسات الموهبة والإبداع العمل على رعاية الموهوبين، وتزويدهم بالأنشطة والأدوات التي تُنَمي قدراتهم. لقد أثبتت الدراسات أن عقل الإنسان بحاجة إلى الكثير من المراحل التدريبية و التطويرية للانتقال به من مرحلة معينة من التفكير إلى مرحلة أخرى متقدمة، والحال نفسه ينطبق على الموهوبين، فقدراتهم العقلية العالية لا تعني بالضرورة إن تفكيرهم جيد ومتقدم، فهم يحتاجون إلى الكثير من (التدريب والتعليم والنصح والإرشاد والدعم) من البيئة المحيطة بهم سواء من المنزل أو المدرسة.
فعندما يواجه الطفل الموهوب مشكلة ما ويسأل والديه "ما الذي يجب علي فعله حيال هذه المشكلة؟"، بدلاً من تقديم الإجابة من قبل الوالدين أو تقديم حل سهل لها، يجب على الوالدين هنا إثارة قدرته على إيجاد الحلول من خلال طرح السؤال التالي عليه، "ما الذي تقترحه لحل هذه المشكلة؟"، أو"كيف ستتغلب على تلك المشكلة"، وبهذه الطريقة يُوجّه الوالدين طفلهم الموهوب لحل مشاكله بطريقته الخاصة، فيشعر الطفل هنا بأنه تقلد زمام حل المشكلة بالكامل، مما يحفز قدرته الفكرية وتصرفاته المسئولة حيال مثل هذا النوع من المشكلات مستقبلاً، حيث تمنحه ثقة والديه على حل المشكلة، القدرة على توليد الكثير من الأفكار والبدائل والمترادفات، وربما يصل إلى القدرة على توليد أفكار متنوعة وغير متوقعه.
كتب بنجامين بلوم (Benjamin Bloom) في كتابه تطوير الموهبة عند الأطفال الموهوبين (Developing Talent in Young People)، أن تطوير القدرات الفكرية للموهوبين لنقلهم من مرحلة لمرحلة متقدمة ، يتطلب محفزات للتفكير تُقدم أغلبها من الوالدين، إلا أن محفزات التفكير التي تُقدم من التربويين تكون أكثر فاعلية، لكونها ناتجة عن دراسة وفهم ووعي تام بأهميتها ونتائجها.
يكتسب الموهوبون الخبرة عادة من خلال عملية التفكير الإبداعي، فعندما يشعر الآباء والمعلمون بأنّ الموهوب قد بدأ بالتفكير الإبداعي، فعليهم أن يمنحوهم الحرّية للتقصي والبحث والتأمل، وتعويدهم على تقبّل الخطأ مما يمنحهم الشعور بالأمان.
كذلك فإن التفكير الإبداعي يُمكّن الطلبة الموهوبين والمبدعين، من التعبير عن أنفسهم بطريقة إبداعية ،وتأكيداً لما سبق، تقول كارول فيرتيق (Carol Fertig ,2008)، "من الضروري أن نُعلم الموهوبين كيف يُفكرون بطريقة منطقية، وأن لا يتقبلوا المعلومات والمشكلات كحقائق في كل الأحوال ممن حولهم، كي تُعزز قدرتهم على التحليل والتقييم ومن ثم تطبيق ما تعلموه بطريقة إبداعية في حياتهم اليومية".
قد تكون ردة فعل الآباء السلبية تجاه طريقة تفكير أبنائهم عائق، يحول دون قدرة الأبناء على حل المشاكل التي تواجههم، ولا يقتصر الأمر على ردود الفعل السلبية بل إن هناك الكثير من العبارات التي تُعرف بـ (عبارات الاستسلام قبل المعركة)، كعبارة "لا يمكن حلها "، والتي تعطي المشكلة حجماً أكبر من حجمها الحقيقي،و عبارة "إنها فكرة طفولية" أو"أنت غريب" أو "ماذا سيقول الناس لو سمعوك"، وغيرها من العبارات المحبطة التي قد يوجهها الوالدين نحو أبنائهم دون الانتباه لتأثيرها السلبي .(Harri, 1998)
بشكل عام ،إن الموهوبين يبتعدون عن التفكير العادي المستخدم عند غالبية الناس، فهم يحللون ويخمنون ويتحققون إلى أن يصلوا إلى المعرفة الجديدة، ولا يكتفون بالسؤال عن الحدث نفسه: "ماذا حدث"؟، وإنما يفكرون في أسباب الحدث "لماذا حدث"؟ "وكيف حدث"؟، فهم يؤمنون بالتفكير الإبداعي الذي يؤدي إلى التغيير نحو الأفضل.
ومن الجميل أن لدى الأطفال المبدعين خصائص ترشدنا إليهم بسهولة، مثل حبهم للاستطلاع ورغبتهم في معرفة الأشياء من حولهم، والاستماع بهذه المعرفة، فليس من الضروري أن نسألهم "لماذا تود معرفة هذا الشيء أو ذاك؟" . إن المبدعين يتمتعون بأكثر العقول انفتاحاً واستعداداً للمعرفة،كذلك لديهم رغبة قويّة بتحدي العقبات التي تمنع ظهور الأفكار الخلاّقة، ولديهم قدرة عالية على التخيّل، وما الخيال الخصب والأفكار الخلاّقة إلا مُنطلقهم الأرحب نحو العمل الممتع.