بسم الله الرحمن الرحيم
هي تلك الأيام الجميلة التي كنا نعيشها قد أنقضت برحيلك , خلفت وراءها من الآلآم والمآسي الكثير .... فيا ترى هل هي راجعة ؟ أم هي النهاية القاسية المرة ؟ دعونا نعيش مع أحداث هذه القصة لمعرفة الجواب ...
شاب في مقتبل العمر أسمه أحمد , يبلغ من العمر 16 عاماً جميل الوجه أنيق المظهر , يقضي معظم وقته في تحضير دروسه وقضاء واجباته أولاً بأول , هذه هي عادته في كل يوم , لم يأبه ولم يتوانى إلا أن يقوم بهذه الأعمال , كان مجتهد ومتفوق في دروسه و ناجح في عمله و مطيع لوالديه , يعيش في أسرة تتكون من أربعة أفراد أباه وأمه وأخته الصغيرة فاطمة التي تبلغ من العمر 6 سنوات , كانا يعيشا في جو هادئ مطمأن , جميع الطلبات تقضى بدون تردد , كان الهدوء يسود هذه الأسرة الصغيرة , فكل فرد فيها يحب الآخر ويؤثر نفسه للآخر , سنين وهم على هذه الحالة , لم يشتكي احد منهم الآخر , الأب ملبي حاجات أبناءه وزوجته , الأم قائمة بكل أعمالها من دون كلل أم ملل , الصراحة هي ديدنهم الحب هو منهجهم , ملتزمين بالإسلام أشد التزام , هي تلك الصفات التي تحلم بها كل أسرة , تحب العيش في استقرار وأمان .
مرت الأعوام فالأعوام حتى وصل أحمد الى الثانوية العامة , وهو يختلجه الفرح للوصول الى هذه المرحلة , شديد التمسك بدراسته هي غايته الأولى... , انتهى العام الدراسي وتفوق أحمد في دراسته , الأول على المحافظة الذي يسكن فيها , فرح والداه كثيرا لتفوقه ونيل المرتبة الأولى على المحافظة .
بهذا التفوق الذي ناله أحمد , أصرّ والده بأن يذهب أحمد الى خارج البلاد للإكمال دراسته , فهو حصل على بعثة من قبل الدولة على بريطانيا , لكن أحمد كان رافض الخروج من بلده , لأن كان شديد التعلق بوطنه , لم يفكر يوماً بأنه سوف يخرج منها , بعد محاولات عديدة أقتنع أحمد بالذهاب الى بريطانيا للإكمال دراسته العليا , لما حان موعد السفر طلب منه والداه بأن يهتم بدراسته أولاً , وكانا كثيرا ما يلحان عليه وبأصرار شديد بأن هذه الدول كافرة كل أنواع الفجور والفسق تتخللها من كافة جوانبها , حتى قام يعظه بهذه الكلمات :
الأب : يا بني أوصيك بهذه الكلمات وتذكر أن رحمة الله واسعة , يا بني أطع الله ولا تشرك به أبدا , أقم الصلاة في وقتها, لا تنسى ذكر الله , اجعل القرآن لك ف يكل فريضة .. أذا أصابك هم أو غم فعليك بقراءة القرآن , وتذكر قوله تعالى : (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ* ...... يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ*وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور* وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) .
أحمد : سمع وطاعة يا أبتاه ... فسأل والده قائلاً : هل صحيح هناك لا يوجد إسلام ؟
الأب : يا ولدي لا يوجد مكان على هذه الأرض لا يوجد فيه إسلام , ولكن يختلف الإسلام هناك عما هو موجود عدنا ... , فالبلاد الغربية شعوب متشعبة و متنوعة هناك المسلمين واليهود والمسيحيين وكل الأطياف ....
أحمد : لماذا يختلف الإسلام عنا إذاً !؟ فهو دين واحد يجمعنا فيه القرآن ونبي واحد !
الأب : أحسنت يا ولدي سؤال جميل ,, الإسلام يا ولدي إسلام واحد , ولكن من يطبق الإسلام يختلف , يختلف في الفكر البيئة والعقيدة المعاملات حتى في كيفية تفسير القرآن الكريم ... الكثير الكثير الكثير يا بني الإسلام لا يوجد به عيب وإنما العيب فينا نحن ...
أحمد : حسنا يا أبتي أحاول أني اعمل ما نصحتني به ...
حتى أكمل الوالد نصحه لأبنه , وهو يردد ويقول يا بُني لا تغرّنك الحياة الدنيا و بهارجها , أمشي على دين الله سبحانه وتعالى , فليكن هدفك العلم ثم العلم ثم العلم , كان يكررها كثيراً للشدة خوفه , أجعل لك صديق في الغربة يعاونك على غربتك , فالصداقة شي جميل ومحبب لدى الله ورسوله , أبتسم أحمد قائلاً : اسأل الله أن يوفقني لطاعته ..
قرب موعد السفر أجمع أحمد حاجياته ونقلها الى السيارة , فودع أمه وأخته , وركب السيارة مع والده متجهين الى المطار , وصلا الى المطار حان موعد الإقلاع ودّع احمد أباه وكله حرقة والم لفراق أهله لكون الفراق الأول ثم توجه الى قاعة المسافرين , رجع الأب المنزل ودمعته على خده تجري , خوف مما سيحمله المستقبل إليه ..
وصل أحمد الى بريطانيا , فأخذه التاكسي الى مكان أقامته , اتصل بوالديه ليطمأنهم ..بعد بضعة أيام ابتدأت أيام الدراسة , فأخذ يذهب كل يوم الى المحاضرات بانتظام دون تأخير , والأمل ملئ عينيه , كان الوضع مختلف تماما عما هو موجود في بلده , فكان الأولاد مع البنات بدون قيود أو ضوابط , صعب عليه التعامل معهم , فأصبحت الأيام تلو الأيام تنقضي وما زال أحمد يحاول التكيف مع الوضع الجديد , فكان تعامله مع زملائه بحذر شديد خوف من أن يصطبغ بصبغتهم ويأخذ بعاداتهم وتقاليدهم , على الرغم من كل هذا إلا أن الدكتور كان يعامله بمثل ما كان يريد , و في سنته الأخيرة له هناك طلب الدكتور من الطلاب أن يكونوا لهم جماعات للبحث , وان كل جماعة تقوم بعمل جماعي موّحد , فقسمت الجماعات الى أربع مجموعات وكل مجموعة تتكون من خمسة أشخاص , فكان لابد أن تكون في كل
مجموعة فتاة أو فتاتين فهو شي لا فرار منه , فكانت جماعة أحمد أربعة أولاد وفتاة واحدة , ولابد من الاحتكاك معهم جميعاً دون استثناء , فطلب أحمد من الدكتور بأن يفصله عن الجماعة , فدار هذا الحوار فيما بينهم ...
الدكتور : لماذا يا أحمد تريد أن تنفصل عن هذه الجماعة ؟
أحمد : المعذرة يا دكتور على طلبي , فدعني أكلمك بصراحة تامة .
الدكتور : تفضل يا أحمد ..
أحمد : تعلم بأني مسلم يا دكتور , وديني يدعوني بعدم الاختلاط بالنساء ..
الدكتور : أن أقدرك وأحترم دينك , ولكن لابد لك من هذا فلا يوجد حل آخر , فهذا بحث تخرج ولابد لك من مشاركتهم .
أحمد : حسنا يا أستاذي العزيز, لك ما تريد ..
انتهى الحوار وأستقبل أحمد وجهة نظر الدكتور برحابة صدرأحمد بوجهة نظر الدكتور , لأن لا يوجد حل آخر إلا أن ينضم معهم ,و إلا أنه يخسر درجته في المادة ....
مرت أيام وهم يجتمعون ويناقشون أفكارهم , الى أن أصبحت البنت معجبة بشخصية أحمد , وكان أسمها ماري , فتاة جميلة شقراء رشيقة تملك من الجمال الكثير , في مرة من المرات بينما هم مجتمعين على طاولة واحدة وهم يناقشون أفكارهم حول البحث , حتى نطقت ماري وقالت الى أحمد ممكن لحظة أريد التحدث معك , قال أحمد حسناً , متى تحبين أن نتحدث ؟ فردت عليه بعد الانتهاء من الاجتماع .
انتهى الاجتماع فذهب أحمد مع ماري لكي يتحدثوا فكان هذا الحوار فيما بينهم :
أحمد : هل لي أن أعرف ماذا تريدين ..
ماري : ممكن تسمح لي بفرصة لكي أتكلم .
أحمد : تفضلي ..
ماري : لماذا تتهرب كلما أردت التقرب اليك؟
أحمد : اسمحي لي لا أستطيع التحدث معك , فالإسلام لا يجيز لي التحدث مع أجنبية .
ماري : أنا أريد التحدث معك فاني معجبة جدا فيك !
أحمد : أعتذر أحمد عن الجواب واستأذن للانصراف ...
لم يسمح أحمد لماري أكمال حديثها لأنه شخص ملتزم بدين الله ولا يرد الوقوع في المكروه ..
لم تنته القصة الى هنا , حيث اتبعت ماري كل أنواع الأغراء للتوقع احمد في المصيدة ولكن دون جدوى , أحمد ملتزم بدينه قوي الإرادة صلب العزيمة ,, وأستمر الحال على هذا المنوال حتى أتم أحمد بحثه وقد تم تسليم البحث الى الدكتور , وكان هذا هو آخر يوم له في الدراسة , بعد عدة أيام أستلم احمد نتيجته وكانت من أعلى الدرجات , اتصل الى أهله للأخبارهم بتخرجه و حصوله على الدرجات , فرحت الأسرة ...
رجع أحمد الى أهله سالم غانم , أستقبله والده استقبال حار , حتى الدمعة سقطت من عينيه من شدة الفرحة , أعتنقه عناق حار فقام أحمد بتقبيل جبين والده .. رجع أحمد مع والده الى المنزل , استقبلته الأسرة بفرح وسرور ,أقامت له حفل كبير جداً حيث دعوا فيه كل أصحابه وأقرباءه وأهل قريته ,,, وكان هذا اليوم أسعد أيام حياته ...
هذي قصة شاب أغترب من أجل الحصول على الشهادة العليا في البلاد الغربية ,, فلم تغره هذه الإغراءات المادية الدنيوية , أستطاع بعزيمة قوية وإرادة صلبة التفوق في دراسته , وعدم الأنجرار الى المحظور ....