كان صاحب سيارة أجرة عائداً إلى بيته قبل منتصف الليل ، وعندما اقترب من منعطف غير بعيد عن منزله ، وكان مسرعاً قفز أمامه قطّ أسود وارتطم بالسيارة فمات على الفور .ولم يهتم صاحب السيارة بذلك القط المقتول فهذه الأشياء كثيراً ما تحدث مع السائقين فلا يعيرونها اهتماماً .
ولكن بعد أن وصل الرجل إلى بيته وأراد أن ينام بدأت الحجارة تنهال على البيت من كل جانب ، تحطّم زجاج النوافذ ، وتهشّم ما يقع في وجهها مهما كان نوعه .
وذعر أصحاب البيت وبدأوا بالصراخ والعويل ، فالتمَّ عليهم الجيران ورأوا كيف تنهال عليهم الحجارة من كل ناحية دون أن يروا الذي يلقيها عليهم .
وسارع الجيران بنقل السائق وعائلته إلى بيوتهم علّهم يحمونهم من هذا البلاء المجهول ، ولكن الحجارة استمرت تلاحقهم أينما ذهبوا وحيثما حلّوا ، واستمرت تنهال عليهم وعلى بيتهم حتى اليوم التالي ، ولم يتمكن صاحب السيارة وعائلته من النوم وكذلك جيرانهم الذين نقلوهم إلى منزلهم ، فاستنجدوا بالعديد من الشيوخ والسحارين من القرى المجاورة ، الذين هبّوا لنجدتهم ، وجاءوا لكشف حقيقة الأمر وقاموا بدورهم بفتح المندل ، واستفسروا عن السبب ، فأخبروهم أن ذلك القط كان جنيّاً قد تصوّر في شكل قط ، وقد قتله سائق سيارة الأجرة .
وسمع سكان القرى المجاورة بهذا الحادث فهرع المئات منهم ليروا كيف تتساقط الحجارة على بيت ذلك السائق التعيس الحظ ، دون أن يروا من يلقيها .
واستطاع السحارون في نهاية المطاف إبرام صلح بين الطرفين ، حيث أن السائق لم يتعمد قتل القط ، بل أن القط هو الذي قفز أمامه ، ولم يستطع الوقوف عنه ، وكذلك كيف يمكن للرجل أن يعرف بأن ذلك القط هو من الجنّ وهو في صورة القطط ، فكان ما كان .
واتفق السحارون مع ملك الجانّ أن ينحر أهل السائق عدة ذبائح إكراماً لأهل القتيل ،وأن يضعوا المناسف في غرفة ويتركوها ويغلقوا الباب عليها ، وفعلوا ما طلب منهم ، ووضعوا الطعام في غرفة وأغلقوا الأبواب ، وبعد فترة فتحوا الباب ووجدوا الصحون فارغة من الطعام فعرفوا أن القوم قد أصابوا طعامهم ، وأصبح بينهم عيش وملح وهذا دليل على نية الصلح .
واستطاعوا بذلك إقناعهم بإيقاف ذلك السيل من الحجارة فأوقفوها وعاد السائق وعائلته بعد ذلك إلى منزلهم ، وناموا ليلتهم دون أن يتعرض أحد لهم بأذى .
غير أن الحجارة عادت لتنهال عليهم من جديـد في صبيحـة اليوم التالي ولكنها كانت قليلة وتأتي من جهة واحدة ، فاتصلوا بالسحارين الذين حضروا صلح الأمس وطلبوا منهم فحص الأمر والتأكد منه ، ففتحوا المندل من جديد واستدعوا ملك الجنّ الذي تأكد بعد تقصي الحقائق بأن أحد أقارب القتيل كان غائباً وعندما عاد وسمع بالخبر أراد أن يثأر لقريبه ولم يكن قد سمع بالصلح الذي تمّ بين الطرفين .
فأخبروه أن ما حدث كان خطأً غير مقصود وأن ذلك من قضاء الله وقـدره، فكفَّ عن رمي الحجارة وعاد الهدوء يخيّم على أرجاء المكان من جديد ، لتنتهي بذلك تلك القصة المثيرة التي ما زالت أحداثها تعلق بأذهان الكثيرين .