[كثيراً ما نسمع الألسن تردد كلمة (( وفاء )) وكثيراً ماتروى القصص والروايات عن (( الوفاء )) ولكن ليس كل (( وفاء )) مثل الآخر .. فوفاء الحبيب لحبيبة يكون طابعه آخر ، له أثره في النفوس ، حيث أن هذا النوع من (( الوفاء )) عزيز في كل الأزمنة ، وهذا يعود لان الناس يتبعون مصالحهم وإلا لما ذكر (( الوفاء )) وقد ذكرت هذه الكلمة قي كتاب الله العزيز قال الله تعالى : [الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ] وقال تعالى :[ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ] ، والوفاء هي صفة ضد الغدر ضد الخيانة ضذ النكث بالعهود ، وقد ذكر الادباء أساطير الاولين في وجود (( الخل الوفي )) ولكني أقف أمام أنثى نقضت هذا المعنى وجعلته يذهب أدراج الرياح ، وكأنها تحاكي قول إبراهيم ناجي والذي أتى بعد عصرها بقرون كثيرة وهو يقول :
يرى صورة الجرح طي … الفؤاد مازال ملتهبا محرقا
ويأبي الوفاء عليه إندمالا .. ويأبي التذكر أن يشفقا
لن أطيل سادتي في التمهيد لمن أريد أن أذكر (( وفاءها )) و الذي قد يكون تناساها البعض بسبب أو من غير السبب فالبحث في الأدب العربي قد يكون ممل لدى البعض ، ولكنه ليس ممل لمن يريد أن يغنم الدرر من سير النبلاء ، الدرر من سير العظماء .. هي فعلاً إمرأة عظيمة ، أصيلة بأصالة العروبة التي تنتمي لها ، فليس غريب عليها فهي الرباب بنت امرئ القيس بن عدي الكلبي أحد سادة قبيلة بني كلب القضاعية ، أتى ابوها إلى المدينة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان نصرانياً وأعلن إسلامه ، فأحب سيدي الامام علي بن أبي طالب -عليه السلام- أخلاق هذا الرجل الكريم المحتد فخطب منه إبنته الرباب لسيدي الامام الحسين -عليه السلام- .
تزوج الحسين - عليه السلام - هذه المرأة الكريمة ابنة الكرام ، ذات الحسن والجمال والأدب والفضل ، وقد أحبها حباً شديداً ، و هي كذلك أحبت ابن بنت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - حباً لايوصف وكيف لا تحبه وهو من هو ، وقد أنجب منها السيدة سكينة رضي الله عنها وعبدالله .. ويبرهن سيدي الحسين عن حبه لزوجته حين يمر - والشوق يملأ قلبه - بدارها فيقول :
لَعَمرِكَ إنَّني لأُحِبُّ دَاراً.. تِحِلُّ بِها سُكينة والربَابُ
أُحبُّهُمَا وأبذل جُلَّ مَالِـي ..وَليس لِلائِمِي فيها عِتابُ
وَلَستُ لَهُم وإن عَتَبُوا مُطِيعاً.. حَياتِي أو يُعَلِّينِي الترَابُ
دارت الايام ، وأستهشد سيدي أبا عبدالله الحسين عليه - السلام- في واقعة كربلاء بعد ان إنتصر على الظلم والبغي ، فقدم درساً للناس اجمع ، في الحرية والكرامة ونبذ الظلم والجور والتي ضحى بروحه وروح أبنائه وأبناء أخيه الأمام الحسن -عليه السلام - وإخوانه في سبيلها ، فهو أبو الأحرار رضي الله عنه وأرضاه، خرجت الرباب مع من خرج مع الامام الحسين من أهل بيته .. فاستشهد أمامها ياله من منظر ، أعز الناس وأحبهم لقلبها يقتل وهي تراه … ويسقط رأسه عليه السلام وتأخذه وتقبله ياله من حب .. وتقول في الحبيب الماضي إلى جنان الخلد :
واحُسَيناً فَلا نسيتُ حُسيناً.. أَقْصَدَتْهُ أَسِنَّةُ الأعدَاءِ
غَادَرُوهُ بِكربلاءَ صَريعاً .. لا سَقَى اللهُ جَانِبَيْ كَربلاءِ
ولم تكتفي بذلك بل قالت فيه أبيات ترثيه رضي الله عنه وأرضاه :
إنَّ الذي كَان نوراً يُستَضَاءُ بهِ .. بِكَربلاءَ قتيلٌ غَير مَدفونِ
سِبطَ النَّبي جزاكَ اللهُ صالحةً .. عَنَّا وجُنِّبتَ خُسرَانَ المَوازينِ
قَد كنتَ لِي جَبَلاً صعباً ألوذُ بِهِ .. وكنتَ تَصحبُنَا بالرَّحمِ والدِّينِ
مَن لِليتَامَـى وَمَن للسَّائلينَ ومن .. يُغنِي ويُؤوِي إِليهِ كُلَّ مِسكينِ
واللهِ لا أبتغِي صِهراً بِصِهْرِكُمُ .. حتَّى أُغَيَّبُ بين الرَّملِ والطينِ
وعاشت بقية عمرها حزينة على فراق زوجها و أحب الناس إليها الإمام الحسين -عليه السلام - ، حتى قضت نحبها وأنتقلت إلى الرفيق الاعلى .. وقد سارع إلى خطبتها علية القوم وسراتهم ولكنها قالت تلك الكلمات التي خلدت في كتب (( الوفاء)) وأسفاره .. قالت رضي الله عنها(( ما كنت لأتخذ حَمْواً بعد - رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - فو الله لا يؤويني ورجلاً بعد الحسين سقفٌّ أبداً )))