لماذا نمجد هؤلاء فقط؟
منذ اكتشافنا للسينما التي أنتجها الغرب بالبذور العربية الأولى، ونحن نمجد قصص تاريخ الأبطال العرب، وعلى رأسهم صلاح الدين الأيوبي، وأحيانا نذهب إلى تمجيد المتنبي صاحب الفحولة المفرطة، والمساهمة في تخريب النسق الثقافي، والأسوأ هو تمجيد الزير سالم، المتعطش للانتقام البربري من أبناء العمومة، والأشد تدميرا للثقافة العربية، هو تمجيد نمر بن عدوان.
لا أذكر عملا واحدا تناول شخصيات تحمل مشاريع نهضوية حقيقية للحضارة، العمل الوحيد الذي أذكره وتناول قصة ابن رشد هذا الرجل الشمس، كان للمخرج المصري يوسف شاهين، ومن خلال عمل لم يكن يركز على ابن رشد وحده، ولا على أفكاره، وعرض بلهجة دارجة غير مرغوبة.
ا
بن سينا أحد قادة الحضارة العلمية الغربية، ابن ماجه كان أحد واضعي أسس التفكير المنطقي، ابن طفيل صاحب مشروع تساؤلات محررة، ابن سبعين بسبب أجوبته الأصيلة على أحد أمراء الغرب خرجت إحدى الحملات الصليبية الإجرامية انتقاما، هؤلاء من نهضت الحضارة الغربية على أكتافهم وليس على أكتاف المتنبي ولا الزير سالم ولا عنترة. استحضار مشاريع هؤلاء هو ما يمكن أن يبعث روح التفكير، فكل أمة لا تنهض إلا بالتفكير.
صلاح الدين الأيوبي أحد الرموز التي نفاخر بها، وهو رمز لتحرير فلسطين، ولكن بلا جدوى، إعادة ترسيخ وجوده في الثقافة العربية بهذا الشكل المسرف، بماذا سيفيد؟ في نظري أن أحد أسباب خروج الإرهاب هو المبالغة في استحضار الشخصيات العسكرية التاريخية على حساب الشخصيات التي تحمل مشاريع حضارية، بعد أن صارت هناك طاقة عنيفة لا تملك تنظيما سلميا حضاريا يوجهها لأهدافها.
وكأن أحد أعدائنا يقول دعهم يعيشون بطولات وهمية في السينما والقصص، لأنهم غير قادرين على التفكير والتخطيط ولا على الفعل المنظم. لماذا لا نتناول مثلا شخصية ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع؟ هذا الرجل الذي أشرق على الغرب رغم اختلافنا معه في واقعيته المفرطة، لماذا لا نتناول جريمة تحريم العثمانيين لطابعة جوتنبرج، ما ساهم في إيقاف المد الحضاري بحجة حماية الشريعة، وهي حجة واهية تعكس ضيق الأفق ونقصان العقل،
فكانت مع مرور الوقت نهاية الدولة العثمانية على يد أصحاب طابعة جوتنبرج بعد أن صاروا أشد ذكاء وأكثر تحضرا بعد شيوع العلم والتساؤل والتفكير، لماذا لا نتناول كل ما يتعلق بتحرير العقل من الجمود والتخلف ونساهم في تخليص ثقافتنا من الفحولة المتطرفة.
ثقافة كاملة صارت تمجد كل ما هو ضدها، أو ما لا يساهم في نهوضها، وتستهجن كل ما ينادي بتحريرها من هذه الخطايا. أحد المشاكل الخطيرة في الثقافة العربية، هو أيضا تمجيد الصحراء والتعلق بعاداتها رغم أن حياتها طاردة، وهي مدعاة للأطباع الجافية والوحشية، مما تنفع في العسكر، ولكنها لا تنفع في أي مشروع حضاري، ومع ذلك ما زلنا مصرين على التفاخر بالصحراء والبداوة. لك حق أن تفخر بشهامتك وقيمك النبيلة، ولكن يكفي، فالصحراء ببدوها وحضرها وبما تنوء به من عادات معوقة، ليس فيها أي شيء ينفع في هذا العالم الذي نعيش.
أعطونا شخصيات حقيقية تعلم المجتمع معنى التفكير والتساؤل والحرية الفكرية، وأوقفوا هذا التكرار الذي لا ينفع، وانظروا إلى آفاق أوسع كي ننهض.
مدونة: ماجد الحمدان