بينما كنت أتجول في بعض المتاحف أثناء خلوه من الزوار لفت انتباهي وجود مجموعة من الدمى المتماثلة بالشكل دون العمر، والرابط بينهن الأنوثة فمنهن الكاشفة ومنهن من غطت شعرها بمنديل أو طرحة وقد تبدو خصلات من الشعر أو قد ينسدل كامل الغطاء على الكتفين فينكشف الشعر كله وإن كانت قلة منهن قد غطت وجوههن بطرق مختلفة فمنهن المبرقعة ومنهن المنقبة ومنهن الملثمة، ومنهن بين بين.
كانت ابتساماتهن التي بدت على وجوههن أو في عيونهن جميلة جدا ولكن المفاجأة الحقيقية كانت في قدرتهن على الكلام بمجرد أن أضع يدي على كتف إحداهن، وكان من الرائع أن من نظّم المتحف وضعهن في مجموعات حسب العمر والحالة الاجتماعية، ففئة تنتمي إلى الطفولة والمراهقة، وفئة أخرى إلى الشابات العازبات، وفئة ثالثة للمتزوجات، ورابعة للمطلقات والأرامل، وهكذ
ا..
بدأت بالمجموعة الأولى فما إن وضعت يدي على كتف إحدى الدمى من فئة الطفلات حتى حدثتني عن التحرش الجنسي الذي تعرضت له من قبل أخيها الذي يكبرها بخمسة عشر عاما وكان ذلك منذ نعومة أظفارها حتى أصبح عمرها 10 سنوات عندما فهمت ما الذي يجري فقامت بفضح سره القذر أمام والدتها التي لم تفعل شيئا سوى رمي التهمة على الضحية وتبرئة المجرم، أما الطفلة الأخرى فصارحتني
بأن المتحرش بها هو والدها الطبيب الذي بدأ بالتعامل معها جنسيا منذ كانت في عمر ثمانية أعوام، وأخبرتني أنها متأكدة من علم والدتها التي فضلت الصمت على أي شيء آخر. أتيت إلى المراهقة الأكبر سنا فأخبرتني أن والدها زوّجها لرجل عمره ضعف عمرها عندما كانت في الخامسة عشرة، فانتقلت من الطفولة إلى الأمومة فوراً حيث وجدت نفسها مسؤولة عن طفل والده مدمن للمخدرات، فعادت إلى بيت أهلها بعد الطلاق وهاهي الآن في عمر أقل من العشرين وقد زفت لرجل لكنه فوق الستين من العمر، وهي تأمل بالإنجاب ، ولكن كيف ولا يوجد بينها وبينه سوى ما بين الأخ وأخته؟! وأما المراهقة التي تصغرها بقليل فأخبرتني أن والدها توفي وهي في الرابعة عشرة من عمرها، فما كان من والدتها إلا أن زوجتها لقريبها وها هو يمن عليها بالزواج منها قبل وصولها أعتاب عنوسة العشرين
!
تركت الدمى من فئة الطفلات والمراهقات وذهبت إلى الدمى الشابات العازبات، كن متماسكات ضحوكات، وحدثتني إحداهن عن عملها في الهجر والأرياف بعيدة عن أسرتها ثم استغلال والدها لمرتبها بحيث لا يبقي لها إلا أجرة الطريق؛ فيما أخبرتني الأخرى عن بلوغها لسن الثلاثين وعضل إخوتها لها بعد وفاة والدها من أجل ألا يذهب مالهم للغريب،
أما الثالثة فقد صرخت بمجرد لمسي كتفها ثم كشفت عن مواضع من جسدها لتريني السبب فوجدت جسمها مليئا بالكدمات نتيجة ضرب أخيها لها عندما علم أنها خرجت مع صديقتها إلى مقهى نسائي لأنه هو فقط من يحل له أن يذهب حيث يشاء، وأكملت الصورة القاتمة الشابة الرابعة التي كانت مشلولة الذراع الأيسر والسبب رصاصة انطلقت عمداً من مسدس أخيها لتستقر خطأ في الساعد بدل القلب لأنها صارحت أهلها بعدم رغبتها في الزواج إلا باختيارها
!
انتقلت إلى الدمى من فئة المتزوجات فحكت لي إحداهن وهي طبيبة قصة القوامة التي يستغلها زوجها بها فيضع راتبها في حسابه المصرفي بينما تبسمت لي إحداهن معرفة نفسها بأنها الكاتبة فلانة وأن مشكلتها مع زوجها هو أنه يريدها أن تكف عن الكتابة أو تكتب باسم مستعار، أما الثالثة فقد كانت ربة أسرة متفانية في حب زوجها وأولادها لكن خيانات زوجها المتكررة جعلتها تقفل قلبها على أولادها أما جسدها فأباحته لزوجها فكأنها جسد بلا روح، والرابعة اشتركت معها بموضوع خيانة الزوج إضافة إلى ظنه السيئ وعدم ثقته بها ولما شكت لأهلها قالوا لها: بنات الرجال يصبرن على الرجال
!
وصلت إلى المجموعة الأخيرة مجموعة الدمى المطلقات والأرامل، وكانت الأرامل أحسن حالا من المطلقات اللواتي اتفقن على الشكوى من نظرة المجتمع الظالمة لهن، فلو كانت المرأة جيدة ومطيعة لما طلقها زوجها! ومع ذلك فإنهن كلهن - أرامل ومطلقات - يشتركن في قصة طمع الرجال بهن، وحتى اللواتي لم تخل حياتهن من أطفال انقلب عليهن بعض أطفالهن عندما أصبحوا شبابا فمنهم من هام على وجهه في بلاد الدنيا دون أن يذكر بطناً حمله وصدراً رعاه، ومنهم من منع أمه من الزواج بعد أن كبر وإخوانه وأصبحت وحيدة وأرادت أن تمضي بقية عمرها مع رجل يحبها ويحميها، وحتى القاضي الذي ظلمها حين حرمها من أطفالها صغارا ما زال يطلب منها إحضار ابنها كي يكون ولي أمرها، ولم تجد عند القاضي جواباً لسؤالها: يا شيخ أنا من رباه على القيم والأخلاق أي أنا ولية أمره ما مضى من عمره فكيف يكون ولي أمري عند زواجي مع أنني في نهاية عمري؟!
وأما قصص الدمى المسيارية والعرفية فكانت هي السائدة في المجموعة فمنهن من تزوجت أسبوعا أو شهرا أو سنة ثم رمى الزوج عليها يمين الطلاق، وهن أحسن حالا من المعلقة التي رماها الزوج وراء ظهره وغاب ثم أوشكت شمس عمرها على الغياب وهي تشحذ طلاقها من القاضي الذي أبى إلا وجود الزوج رغم أنه مر عليها 23 سنة لا تعرف له مكاناً ولا تسمع له صوتاً
!
الوطن السعودية 20/7/2009
مماتصفحت