الإنترنت والإرهابد. محمد بن عبدالله القاسم
الإنجازات الأمنية المتتالية بقدر ما تثلج الصدر وتفرح النفس إلا أنها تزيد من المسئولية الملقاة علينا جميعاً، ولسان حالنا يقول أين نحن من هؤلاء؟! إن المتابع للكتابات الصحفية والأحاديث الجانبية في الاجتماعات المختلفة يجد أصابع الاتهام متوجهة للإنترنت كمحفز على الإرهاب وداعم لعملياته. وهذا ليس بغريب فأغلب الكتابات الصحفية تبحث عن الإثارة لجذب القراء علماً أن الانترنت لا تتعدى كونها وسيلة كغيرها من وسائل الحياة يمكن استخدامها سلبا أو إيجابا والعتب أولاً وأخيرا على المستخدم، فالإنترنت بطبيعتها وخصائصها كوسيلة من وسائل الاتصال تتفوق على نظيراتها بما تتميز به من مميزات وخصائص فطبيعي أن تستثمر من قبل الجادين وذوي الهمم العالية في كل ما هو مفيد، وكذلك نجدها تستغل من فئات أخرى لبث السموم والأفكار الهدامة المنحرفة، خصوصاً بعد أن تجاوز عدد مستخدميها في المملكة الخمسة ملايين مستخدم غالبيتهم من الشباب.
الإنترنت أصبحت مهمة للكثير من الجهات الحكومية والتجارية وللأفراد، ومثل أي أداة فإن لها إيجابيات وسلبيات، ولكن يمكن استثمار هذه السلبيات والاستفادة منها في حل المشكلات والوقاية منها. المتابع يجد أن الإنترنت تساعد الجهات المختلفة لمعرفة ما يدور في أوساط الشباب، وعن طريقها يمكن معرفة الكتّاب وأساليبهم وتوجهاتهم، ومن ثم يمكن الرد عليهم وإقناعهم أو على الأقل تنوير بقية القراء، بل من المهم استثمار وسائل إعلامية أخرى لإيصال الرسائل المناسبة للشباب والمجتمع كافة. وهذا الدور لا يقع على الدولة بمفردها، لأن الدولة مهما أوتيت من قوة وقدرات فلن تستطيع بمفردها مواجهة هذا الكم الهائل من الفتن والأكاذيب المنتشرة في الإنترنت، فالدور جماعي، فعلى كل من يدخل منتدى أو يطلّع على موضوع زرعت فيه فتنة، فعليه الرد إن كان لديه القدرة من معرفة وأسلوب، أو على الأقل حث من لديه القدرة على المشاركة، ومن وجد مواقع داعية لهذا الفكر فمن واجبه المشاركة في حجبه وتبليغ الجهات المسئولة.
كذلك فإن الإنترنت تساعد الجهات الأمنية على متابعة الإرهابيين والشبكات الخاصة بهم والتوصل لرؤوسهم، وذلك بالتعرف على الأماكن التي يستخدمونها في الدخول على الإنترنت، أما من يستخدم الأماكن العامة كمقاهي الإنترنت فعن طريق تعاون أصحاب هذه المقاهي وأتباعهم للتعليمات الواردة لهم يمكنهم المساهمة في الحد من استخدام الإرهابيين لتلك المقاهي.
ولي وقفة مع مقاهي الإنترنت، فالملاحظ لمقاهي الإنترنت حتى في أكثر دول العالم تحللاً، وأكثرها حفاظاً على خصوصية الأفراد، يجد أن مقاهي الإنترنت في تلك الدول مصممة بطريقة مفتوحة وبدون حواجز وليست مظلمة، بينما لدينا نجد الحواجز المرتفعة بل الغرف المنفصلة بذريعة إعطاء الخصوصية لمستخدمي الإنترنت، إن هذه المقاهي بطريقة تصميمها وضعف أنوارها تكون صيداً سهلاً للشباب وإغوائهم والتأثير عليهم، وأصبحت بؤراً للانحراف الفكري والفساد الأخلاقي. ولكن ما الحل؟
إنني لا أدعوا لإغلاق هذه المقاهي، بل أشجع انتشارها لكونها من طرق نشر ثقافة الإنترنت واستخداماتها، وليس من المناسب حرمان الكل بسبب سوء الاستخدام من قبل نسبة بسيطة من مرتاديها، ولكنني أدعو إلى متابعة تنفيذ الضوابط الخاصة بمقاهي الإنترنت، وإلى إعادة النظر فيما يتعلق بالتصميم والإضاءة، بحيث تكون أماكن مفتوحة بحيث يستطيع أي شخص أن يرى الشاشات بسهولة، كما هو معمول به في أغلب مقاهي الإنترنت في العالم.
باختصار الإنترنت وجدت لتبقى، فلنبقيها تحت أشعة الشمس وندعم الاستخدامات الإيجابية لها، ونشجع على زيادة المحتوى العربي غير الضار لنحمي شبابنا من المواقع غير المناسبة. وأن نعمل على رفع الوعي لدى جميع أفراد المجتمع بأنشطته فردية وجماعية، من قبل الجهات التعليمية والمؤسسات الخاصة والحكومية، ومتابعة الإنترنت وما يكتب فيها وتفنيد الأفكار الهدامة ومحاربة الفكر بالفكر، ويسبق هذا كله دور الوالدين في ملاحظة أبنائهم وعدم الانشغال عنهم وتخصيص جزء من الوقت لهم لمحاورتهم ومناقشتهم وإعطائهم الجرعات الوقائية بطريق غير مباشرة أثناء مناقشتهم فهم ارض خصبة لكل ما يغرس في عقولهم.