الطفل يأخذ ورقة وقلم ويجلس ليداعب الورقة بقلمه ، أب أو أم ... يدخل فيرى الطفل ؛ فينهره ويقول له أترك القلم ، ولا تضيع الأوراق فيما لا حاجة له !
مشهد تكرر ويتكرر في الكثير من بيوتنا ؛ وفي الكثير من الأوقات ، حتى انه من كثرة تكراره لم نعد نلقى لوقعه أو نتيجته بالا .
ولكننا لا ندرك أنه في تلك اللحظة التي ننهر فيها أطفالنا عن ( الشخبطة ) - كما يتراءى لنا – ، فأننا نقضي على قدر كبير من طاقتهم الإبداعية ، ونهدم الكثير من قدراتهم العقلية ، ونضيع على أنفسنا فرصة للتعرف على ما يدور في عقول ابنائنا ، وما يعترى نفوسهم من طباع أو مخاوف.
فالطفل ليس كالراشد في طريقة تعبيره عن انفعالاته وقدراته العقلية ، فالراشد يمكن أن يطوع كافة قدراته المتاحة له سواء الانفعالية أو العقلية بالطريقة التي تأهله للحصول على مبتغاه أو التعبير عن نفسه ، عكس الطفل الذي تتكيف قدراته الانفعالية والعقلية مع متطلباته التي يحتاجها أو مع طريقة تعبيره عن نفسه.
لذا فقد شغل بال الكثير من الباحثين والمتخصصين منذ قديم الأزل كيفية التوصل لطريقة يمكن من خلالها التعرف على الحالة الانفعالية والقدرات العقلية للأطفال ، فهناك من اخذ ( اللعب ) باعتباره وظيفة الطفل الأولى كآداة لرصد واقع الطفل النفسي والعقلي ، وهناك من استخدم ( الرسومات ) كوسيلة للوصول إلى تلك المعلومات.
ورسومات الأطفال بقدر بساطتها وتلقائيتها في بعض الأحيان ، يجد فيها الباحث معين لا ينضب من الحقائق والدلالات التي تعينه على فهم سيكولوجية الطفل وذكائه ، ومشكلات توافقه واحتياجاته.
فعن طريق الرسوم يمكن للطفل أن يتعدى العوائق اللغوية والتعبيرية التي يمكن أن تحد من قدرته على التعبير ، وتعتبر شكل من أشكال الأداء النفسي له خصائص متعددة سواء في المجال المعرفي ( العقلي ) ، أو المجال المزاجي ( الوجداني ) ، وهي تقبل التناول والتحليل والتقنين بأساليب علمية ( فحصًا ،وتقديرًا ،وقياسًا ) للخروج منها باستنباطات متعددة نهدف من ورائها إلى تحسين فهمنا لسلوك الطفل وصياغة القوانين النفسية التي تحكم تطوره وارتقاءه ، وقد نستخدم الرسوم في قياس الذكاء والقدرات ، وفي قياس سمات الشخصية ، وقيم الطفل واتجاهاته. ( 1 )
ومنذ بداية العقد التاسع من القرن قبل الماضي بدأ الاهتمام البحثي برسومات الأطفال ، فقام ( كوك 1885 ) ببحثه حول ( الرسم وصلته بالتطور النفسي لدى الطفل ) ، وبدء البحث حول ما هي أكثر رسومات الأطفال ثراء بالخصائص السابقة .
وقد أوضحت الدراسات أن رسوم الأطفال ( للرجل ) أو الشكل الإنساني بشكل عام ؛ هي من أكثر الرسومات شيوعا بين الأطفال ، فالطفل يلتقي بالرجل في كل مكان في البيت والشارع والنادي ، فهو من أكثر الموضوعات التي تعلق ببصر الطفل . وبالاضافة لذلك هو طرف متفاعل في حياة الطفل ، فهو مصدر لكثير من الاشباعات للطفل ، ومرفأ للأمن والسكينة .
لذا قامت الباحثة ( فلورتس جودانف ) بوضع اختبارها لرسم الأطفال للرجل سنة 1926 ، واستخدم ذلك الاختبار كمؤشر أولي للذكاء ، وكأداة لقياس شخصية الطفل. وللاختبار عدة بنود ولكل بند مجموع من الدرجات ، إذا توافرت تلك البنود أو بعضها في الرسم يعطى الطفل درجة البند ، وفي النهاية تجمع تلك الدرجات ويتم مطابقة الدرجة الخام بالدرجة المعيارية المطابقة لها
الرسم لطفل عمره 6 سنوات و10 أشهر ، وغياب الذراعين يوضح بعض من سماته المزاجية ، فهو شديد الحذر ، ولا يميل للأطفال الشرسين ، ولديه عادة قضم الأظافر
رسم لطفل عمره 5 سنوات و 8 أشهر ، وتظهر العدوانية والعداء من خلال هذا الرسم ( الأسنان الضخمة ، والأصابع الطويلة الحادة )
ورغم عدم دقة ذلك الاختبار أو التعديلات التي طرأت عليه ، إلا أنه يمكن استخدامه كمؤشر ابتدائي على مدى ذكاء الطفل ، أو للتعرف الأولي على سمات شخصيته الأساسية.
والعرض العلمي السابق لأهمية ما ينتجه أطفالنا من رسومات ، يوضح لنا مدى أهمية الأمر واستبساطنا في التعامل معه ، فنحن نُقيم الطفل ونحاسبه على ما أنتجه من رسومات ، والتي تكون عادة في نظرنا مجرد شخبطة . بل يجب أن يتعدى فهمنا لواقع تلك الرسومات ، وأن ننظر إليها نظرة كيفية ، بحيث يكون محور اهتمامانا هو ( كيف رسم الطفل ما رسمه ؟ ) وليس ( ما الذي رسمه ؟ ).
ولندرك أن تلك الشخبطات الطفولية على الورق ما هي إلا بداية لأطفالنا لكي يرسموا مستقبلهم ، فلنحاول أن نساعدهم في التعبير عما يريدونه وأن يوضحوا لنا مكنونات ما في أنفسهم لنحاول أن نتخطى معهم المشاكل والعوائق النفسية التي يمكن أن تعترضهم وتؤثر على مستقبلهم.