الإمَّعة
الإمَّعة لغة:
الهَمْزَةُ وَالْمِيمُ وَالعَيْنُ لَيْسَ بِأَصْلٍ، فَقَدِ اقْتَصَرَ عَلَى مَعْنَى كَلِمَةِ الإِمَّعَةِ فَقَطْ وَأَصْلُهَا [مَعَ] وَالأَلِفُ زَائِدٌ، يَقُولُ ابْنُ فَارِسٍ: [الهَمْزَةُ وَالْمِيمُ وَالعَيْنُ لَيْسَ بِأَصْلٍ، وَالَّذِي جَاءَ فِيهِ رَجُلٌ إِمَّعَةٌ، وَهُوَ الضَّعِيفُ الرَّأْيِ القَائِلُ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنَا مَعَكَ ... وَالأَصْلُ مَعَ وَالأَلِفُ زَائِدَةٌ] .
وَيَقُولُ الجَوْهَرِيُّ: [ رَجُلٌ إِمَّعٌ وَإِمَّعَةٌ أَيْضًا لِلَّذِي يَكُونُ لِضَعْفِ رَأْيِهِ مَعَ كُلِّ أَحَدٍ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: امْرَأَةٌ إِمَّعَةٌ، غَلَطٌ، لاَ يُقَالُ لِلنِّسَاءِ ذَلِكَ، وَقَدْ حُكِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ] .
وَرَوَى عَبْدُاللهِ بْنُ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ كُنَّا فِي الجَاهِلِيَّةِ نَعُدُّ الإِمَّعَةَ الَّذِي يَتْبَعُ النَّاسَ إِلَى الطَّعَامِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُدْعَى، وَإِنَّ الإِمَّعَةَ فِيكُمُ اليَوْمَ الْمُحْقِبُ دِينَهُ . وَيُقَالُ: الإِمَّعَةُ، وَالإِمَّعُ، بِكَسْرِ الهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ: الَّذِي لاَ رَأْيَ لَهُ وَلاَ عَزْمَ فَهُوَ يُتَابِعُ كُلَّ أَحَدٍ عَلَى رَأْيِهِ وَلاَ يَثْبُتُ عَلَى شَيْءٍ .
وَالإِمَّعَةُ: الْمُتَرَدِّدُ فِي غَيْرِ مَا صَنْعَةٍ، وَالَّذِي لاَ يَثْبُتُ إِخَاؤُهُ، وَرِجَالٌ إِمَّعُونَ، وَلاَ يُجْمَعُ بِالأَلِفِ وَالتَّاءِ(1).
الإمَّعة اصطلاحًا:
قَالَ ابْنُ الأَثِيرِ: الإِمَّعَةُ الَّذِي لاَ رَأْيَ لَهُ، فَهُوَ يُتَابِعُ كُلَّ أَحَدٍ عَلَى رَأْيِهِ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يَقُولُ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنَا مَعَكَ(2).
الأحاديث الواردة في ذَمِّ "الإمَّعة"
__________
(1) المقاييس (1/9)، والصحاح (4/3)، والقاموس المحيط (3/2)، ولسان العرب (8/3).
(2) النهاية لابن الأثير (1/7) .
(1/1)
________________________________________
1*(عَنْ حُذَيْفَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ?: [لاَ تَكُونُوا إِمَّعَةً، تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلاَ تَظْلِمُوا])*(1).
2(عَنْ مِرْدَاسٍ الأَسْلَمِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ?: [يَذْهَبُ الصَّالِحُونَ الأَوَّلُ فَالأَوَّلُ، وَيَبْقَى حُفَالَةٌ، كَحُفَالَةِ الشَّعِيرِ(2)، أَوِ التَّمْرِ لاَ يُبَالِيهُمُ اللهُ بَالَةً](3)(4).
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذَمِّ "الإمَّعة"
1 - *([عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ قَالَ: أَهْلُ هَذِهِ الأَهْوَاءِ آفَةُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ? لأَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ النَّبِيَّ ? وَأَهْلَ بَيْتِهِ فَيَتَصَيَّدُونَ بِهَذَا الذِّكْرِ الحَسَنِ الجُهَّالَ مِنَ النَّاسِ، فَيَقْذِفُونَ بِهِمْ فِي الْمَهَالِكِ، فَمَا أَشْبَهَهُمْ بِمَنْ يَسْقِي الصَّبِرَ بِاسْمِ العَسَلِ، وَمَنْ يَسْقِي السُّمَّ القَاتِلَ بِاسْمِ التِّرْيَاقِ، فَأَبْصِرْهُمْ فَإِنَّكَ إِنْ لاَ تَكُنْ أَصْبَحْتَ فِي بَحْرِ الْمَاءِ، فَقَدْ أَصْبَحْتَ فِي بَحْرِ الأَهْوَاءِ الَّذِي هُوَ أَعْمَقُ غَوْرًا وَأَشَدُّ اضْطِّرَابًا وَأَكْثَرُ صَوَاعِقَ، وَأَبْعَدُ مَذْهَبًا مِنَ البَحْرِ وَمَا فِيهِ، فَفُلْكُ مَطِيَّتِكَ الَّتِي تَقْطَعُ بِهَا سَفَرَ الضَّلاَلِ اتِّبَاعُ السُّنَّةِ])*(5).
__________
(1) الترمذي (7)، وقال: هذا حديث حسن غريب. وقال محقق جامع الأصول (1/8) حديث حسن.
(2) الحفالة والحثالة: الرديء من كل شيء، والحفالة أيضاً بقية الأقماع والقشور في التمر والحب .
(3) لا يباليهم الله بالةً: أي لا يرفع لهم قدراً ولا يقيم لهم وزنًا.
(4) البخاري . الفتح 1(4).
(5) المرجع السابق (8/8) .
(1/2)
________________________________________
2 - *([عَنِ الفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ قَالَ:[ اتَّبِعْ طَرِيقَ الهُدَى، وَلا يَضُرُّكَ قِلَّةُ السَّالِكِينَ وَإِيَّاكَ وَطُرُقَ الضَّلاَلَةِ وَلاَ تَغْتَرَّ بِكَثْرَةِ الهَالِكِينَ])*(1).
3 - *(حَكَى الْمَسْعُودِيُّ أَنَّهُ كَانَ فِي أَعْلَى صَعِيدِ مِصْرَ رَجُلٌ مِنَ القِبْطِ مِمَّنْ يُظْهِرُ دِينَ النَّصْرَانِيَّةِ وَكَانَ يُشَارُ إِلَيْهِ بِالعِلْمِ وَالفَهْمِ، فَبَلَغَ خَبَرُهُ أَحْمَدَ بْنَ طُولُونَ فَاسْتَحْضَرَهُ وَسَأَلَهُ عَنْ أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ مِنْ جُمْلَتِهَا أَنَّهُ أَمَرَ فِي بَعْضِ الأَيَّامِ، وَقَدْ أَحْضَرَ مَجْلِسَهُ بَعْضَ أَهْلِ النَّظَرِ لِيَسْأَلَهُ عَنِ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ دِينِ النَّصْرَانِيَّةِ فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: دَلِيلِي عَلَى صِحَّتِهَا وُجُودِي إِيَّاهَا مُتَنَاقِضَةً مُتَنَافِيَةً تَدْفَعُهَا العُقُولُ، وَتَنْفِرُ مِنْهَا النُّفُوسُ لِتَبَايُنِهَا وَتَضَادِّهَا لاَ نَظَرَ يُقَوِّيهَا، وَلاَ جَدَلَ يُصَحِّحُهَا، وَلاَ بُرْهَانَ يُعَضِّدُهَا مِنَ العَقْلِ وَالحِسِّ عِنْدَ أَهْلِ التَّأَمُّلِ فِيهَا، وَالفَحْصِ عَنْهَا، وَرَأَيْتُ مَعَ ذَلِكَ أُمَمًا كَثِيرَةً وَمُلُوكًا عَظِيمَةً ذَوِي مَعْرِفَةٍ، وَحُسْنِ سِيَاسَةٍ وَعُقُولٍ رَاجِحَةٍ قَدِ انْقَادُوا إِلَيْهَا، وَتَدَيَّنُوا بِهَا مَعَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَنَاقُضِهَا فِي العَقْلِ فَعَلِمْتُ أَنَّهُمْ لَمْ يَقْبَلُوهَا، وَلاَ تَدَيَّنُوا بِهَا إِلاَّ بِدَلاَئِلَ شَاهَدُوهَا، وَآيَاتٍ وَمُعْجِزَاتٍ عَرَفُوهَا أَوْجَبَتِ انْقِيَادَهُمْ إِلَيْهَا وَالتَّدَيُّنَ بِهَا)*(2).
__________
(1) لسان العرب ( 8/8).
(2) الاعتصام للشاطبي (1/8، 9) .
(1/3)
________________________________________
4 - *(عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: اغْدُ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا، وَلاَ تَغْدُ إِمَّعَةً فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ)*(1).
5 - *(عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: أَلاَ لاَ يُقَلِّدَنَّ أَحَدُكُمْ دِينَهُ رَجُلاً إِنْ آمَنَ آمَنَ، وَإِنْ كَفَرَ كَفَرَ، فَإِنَّهُ لاَ أُسْوَةَ فِي الشَّرِّ)*(2).
6- *(قَالَ الشَّاعِرُ:
لَقِيتُ شَيْخًا إِمَّعَهْ سَأَلْتُهُ عَمَّا مَعَهْ
فَقَالَ ذَوْدٌ أَرْبَعَهْ)*(3).
7-*(قَالَ الشَّاعِرُ:
فَلاَ دَرَّ دَرُّكَ منْ صَاحِبٍ……فَأَنْتَ الوُزَاوِزَةُ الإِمَّعَةْ )*(4).
من مضار "الإمَّعة"
(1) تَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ الشَّخْصِ عَقْلِيًّا وَدِينِيًّا.
(2) يَعِيشُ الإِمَّعَةُ ذَلِيلاً .
(3) الإِمَّعَةُ مَنْبُوذٌ مِنَ اللهِ ثُمَّ مِنَ النَّاسِ .
(4) تُسَاعِدُ عَلَى وُجُودِ أَشْخَاصٍ بِلاَ قِيمَةٍ فِي الْمُجْتَمَعِ.
(5) تُوقِعُ فِي مَهَاوِي الضَّلاَلَةِ .
(6) تُقَوِّي رُوحَ التَّبَعِيَّةِ وَالرَّذِيلَةِ فِي الْمُجْتَمَعِ فَيَعِيشُ عَالَةً عَلَى الْمُجْتَمَعَاتِ الأُخْرَى، وَيَضْعُفُ الإِنْتَاجُ الفِكْرِيُّ وَالْمَادِّيُّ.
__________
(1) المرجع السابق (2/7) .
(2) الاعتصام (2/9)
(3) لسان العرب (أ م ع).
(4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(1/4)